أصبحنا في زمن من المألوف فيه أن نقرأ ونسمع فيه كثيرا عن ابن مد يده على أبيه، وآخر تطاول على أمه سبا وشتما، وإذا ما عكسنا الجانب الآخر من الصورة، فسنجد أن هناك عشرات الحالات لآباء تعاملوا بوحشية ومن دون إنسانية مع فلذات أكبادهم، وكثيرا ما تمر علينا كلمات في مثل هذه الأخبار ليست في سياقها الطبيعي ك(سلاسل) و(سياط جلد) و...الخ، حتى يخيل لنا أن العلاقة ليست إلا بين جلاد وأسير، وليست بين أب وفلذة كبده. (علاقة الآباء والأبناء) وردم الفجوة بين الطرفين وإيقاف نزيف الأبوة، هذه كانت حكاية عدد من الباحثين والأكاديميين، في ندوة كبيرة أقامتها مؤسسة (ديوان المسلم) في الرياض، حضرها صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية.. “شمس” حضرت الندوات وخرجت بآراء من بعض المشاركين في هذه الندوة، حول التربية ومدى التأثير الذي يخلفه تباعد الأجيال بين الآباء والأبناء، فيما يعرف باسم (فجوة الأجيال)، وكيف يمكن ردم هذه الفجوة، وما الطريقة الصحيحة لفهم الآباء لأبنائهم والعكس كذلك.. فجوة الأجيال في البداية، يؤكد الدكتور عبدالله الصالحي عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم، أن التربية تختلف من جيل إلى جيل، ومن زمان إلى زمان ومن ظروف اجتماعية معينة إلى ظروف اجتماعية أخرى. فما كان وسيلة تربوية سهلة وميسرة ومقنعة للولد بالأمس ليس بالضرورة أن تكون كذلك في زمن آخر، وما كان يصلح لجيل الآباء في صغرهم وشبابهم ليس بالضرورة مناسبا وجذابا في عصر وجيل أبنائهم. واعتبر الصالحي، أن التربية ليست نسخة طبق الأصل لما كان عليه الأب أو الأم في شبابهما وما على الأبناء سوى تقليدهما وفعل ما كانا يفعلانه وترك ما كانا يتركانه، والاقتناع بما كان يقتنعان به بالطريقة والمستوى كليهما من الإدراك، مستشهدا بقول الخليفة الراشد علي رضي الله عنه: “ربوا أبناءكم على غير ما ربيتم عليه؛ فقد وجدوا لزمان غير زمانكم”. وأشار الدكتور الصالحي إلى أن التربية في زمن تعددت فيه مصادر التربية والتلقي والمعرفة والتأثير وتنوعت وسائلها فيه كأزماننا هذه ليست كما هي قبل 20 أو 30 سنة من الآن. احترافية التربية وحول ضرورة التعامل باحترافية مع التربية يرى الدكتور عبدالله الصالحي، أن النظرة من زاوية احترافية في العمل والتخطيط والتنفيذ يعد أمرا ضروريا، بل من أعظم الأمور وأخطرها في الوقت نفسه، إذ الربح فيه نجاة في الدنيا والآخرة للوالد والولد وأعقابهما بإذن الله والخسارة فيه خسارة مضاعفة للجميع. الطرفان متنازعان وحول التعامل مع الأبناء وحاجاتهم، يشير الدكتور علي الرومي عضو هيئة التدريس بقسم علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود، ضمن الدراسة الميدانية التي أجراها حول هذا الموضوع، إلى أن الحديث عن تعامل الآباء مع حاجات أبنائهم يبرز تساؤلا حول ماهية تلك الحاجات، وللوهلة الأولى يكشف النقاش بين أعضاء مجموعتي النقاش المحورية، أن تلك الحاجات غير واضحة وغير محددة، وهو ما يضيف مزيدا من التعقيد، إذ كيف يمكن التعامل مع حاجات غير واضحة أو غير محددة. ثم يزداد الأمر تعقيدا على حد تعبير الدكتور الرومي خاصة عند محاولة تحديد تلك الحاجات، حيث يحصل نزاع بين الآباء والأبناء حول من يحدد تلك الحاجات؛ إذ يرى الآباء أن تحديد الحاجات يقع ضمن صلاحياتهم، بينما الأبناء يرون أنه أمر يخصهم ولا ينبغي أن يحصل تدخل من قبل الآباء. وبسؤال مجموعة الأبناء عن من يحدد حاجات الأبناء، أشار 44 في المئة منهم إلى أنهم الأبناء، بينما 8 في المئة يرون أن الآباء هم من يحددها، وهناك 16 في المئة يرون أن الآباء والأبناء معا يحددون تلك الحاجات، لكن 32 في المئة منهم يرون أن الوضع الراهن للمجتمع، بما فيه الوضع الاقتصادي، يحدد تلك الحاجات. وفي المقابل يرى 39 في المئة من الآباء أن الآباء هم من يحدد حاجات الأبناء. المواقف متعادلة ويؤكد الرومي، أن لكل طرف مبرراته لدعم موقفه، فالآباء يفترضون أن الأبناء قليلو الخبرة ويرتبطون بحاجات غير حقيقية أو حاجات آنية، بينما الآباء ذوو خبرة ودراية بالحاجات وأقل انسياقا مع الحاجات الآنية، ومن ثم فمسؤولية الأب قيادة الابن واختصار زمن التجربة له وتجنيبه عواقب الأمور. وبالسؤال عن رأي الأبناء بموقف بعض الآباء الذين يرون أن الأبناء قليلو الخبرة ويربطون بحاجات غير حقيقية وآنية، أشار 65 في المئة منهم إلى أن هذا الموقف صحيح إلى حد ما، بينما 15 في المئة يرون أنه موقف صحيح، و19 في المئة يرون أنه موقف خاطئ. وبالمقابل يرى 47 في المئة من الآباء، أنه موقف صحيح إلى حد ما، و30 في المئة يرون أنه موقف صحيح، بينما 23 في المئة يرون أنه موقف خاطئ. المنهج الإسلامي للتربية من جهتها، ترى الدكتور نورة السعد أستاذة علم الاجتماع، أن المنهج الإسلامي في التعامل مع الأبناء يؤكد التوازن بين اللين والشدة في التربية، والعدالة بين الأطفال في الحبّ والتقدير وفي العطاء وإشباع الحاجات؛ لكي يترعرعوا متحابين متآزرين، لا عداء بينهم ولا شحناء ولا تقاطع ولا تدابر. واعتبرت السعد، أن معيار الفشل أو النجاح مرتبط إلى حد ما بإيفاء الآباء حقوق هؤلاء الأبناء أو الفشل في ذلك، وكما نعرف أن هذه الحقوق منها ما يكون قبل ولادة الولد، كحسن اختيار الزوجة الصالحة لتكون أما صالحة، وحقوق ما بعد ولادة المولود: تسمية الولد باسم حسن، حسن التربية على الآداب والأخلاق وتحقيق مبدأ العدل بينهم في تنشئتهم. لا بد من حقوقهم بالإضافة إلى مراعاة الفروق الفردية بينهم صغارا وكبارا إناثا أو ذكورا، وبالطبع النفقة عليهم من غير تقتير أو تبذير، واستشهدت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن”.