لم يكن الفخر الذي كان ينتاب وزير الصناعة والتجارة الصيني الأسبق، وهو يقول: لا يوجد بيت في العالم لا يوجد به منتج صيني. ناتجا من فراغ، فقد كانت المؤسسة الاقتصادية الصينية تعلم ماذا تريد وإلى أين تتجه، ولا يمر يوم أو أسبوع إلا وتتصدر الصين واجهات الصحف العالمية وأخبار وكالات الأنباء، في نبأ جديد من أنباء هذا المارد الاقتصادي. فإذا كانت ثمة أزمة مالية؛ فإن الصينيين قادرون على تجاوزها. وإن كانت معوقات فإن الصينيين قادرون على تخطيها، بل إنهم دائما ما يستثمرون تلك الأزمات استثمارا من شأنه أن يضع الصين في بؤرة اهتمام العالم، فعلى الرغم مما يمر به العالم فقد حقق الاقتصاد الصيني نموا قدره 8 في المئة عن العام الماضي. الصين والسعودية ووعيا بدور الصين في عجلة المستقبل الاقتصادي العالمي، عززت السعودية التعاون مع الاقتصاد الصيني من خلال العديد من الاتفاقيات التي توجتها زيارة خادم الحرمين الشريفين لبكين سنة 2006، ومن حينها لم تتوقف اتفاقيات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات. ثم زيارة هو جينتاو رئيس جمهورية الصين الشعبية إلى الرياض، مطلع العام الجاري. وزاد حجم التجارة الثنائية بين السعودية والصين خلال العام الماضي عن 40 مليار دولار، في حين أن أكثر من 60 شركة صينية في السعودية يتركز نشاطها في المقاولات، البتروكيماويات، الطرق، السكك الحديدية ومشاريع البنية التحتية الأخرى. ووفقا لبعض التصريحات (وانج يونج القنصل العام الصيني في جدة)؛ فقد ازداد في السنوات الأخيرة حجم التبادل التجاري بين الصين والسعودية سريعا في ظل الجهود المشتركة التي يبذلها البلدان، وقد أصبحت السعودية أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وإفريقيا، وفقا للإحصائيات الصينية فقد بلغ حجم التجارة الثنائية 25369 مليون دولار عام 2007م بارتفاع قدره 26 في المئة عن الفترة المماثلة من عام 2006م، وبلغ حجم الواردات الصينية من السعودية 17560 مليون دولار بارتفاع قدره 16 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2006م، فيما بلغ حجم صادرات الصين إلى السعودية 7799 مليون دولار بزيادة 54 في المئة للفترة نفسها من عام 2006م. وبلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 40 مليار دولار عام 2008م بارتفاع قدره 58 في المئة عن الفترة نفسها من عام 2007م، ويميل الميزان التجاري لصالح السعودية بفائض كبير، وتتركز معظم الصادرات الصينية إلى السعودية في المنتجات الميكانيكية والكهربائية والمنسوجات والملابس الجاهزة والأجهزة المنزلية، بينما الواردات الصينية من السعودية تتمحور في النفط الخام والمنتجات البتروكيماوية وغيرها. نحو الصدارة وبالإشارة إلى المعجزة الصينية فقد استطاعت الصين إزاحة ألمانيا عن مرتبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم، ويبدو أنها تسعى بجدارة حاليا لتطيح أيضا باليابان من المركز الثاني الذي طالما تشبثت به على مدى عدة عقود. ومع الركود الاقتصادي العالمي والصعوبة التي تواجهها اليابان في إدارة اقتصادها الضخم، يبدو سعي الصين لتبوء المركز الثاني بعد أمريكا جليا أكثر من أي وقت مضى. وفي تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز أن انتزاع الصين لهذا المركز قد يحدث في وقت قريب جدا، ربما في العام المقبل، أي قبل خمس سنوات مما كان يتوقع سابقا. وقد يؤدي صعود نجم الصين إلى أفول القوة الاقتصادية لليابان، حيث تنتزع الأولى أسواق الصادرات اليابانية، ويتعاظم الدين العام للحكومة اليابانية، وتضعف وتشيخ القوة العاملة في اليابان. السيطرة المنظمة ولا يتوقف الأمر على المرتبة الثانية، فقد أشارت تقارير أمريكية إلى أن اقتصاد الصين قد يتفوق على الاقتصاد الأمريكي في 2039 وقد يحدث ذلك عام 2026 إذا أطلقت الصين العنان لارتفاع قيمة (اليوان الصيني) بنسبة 2 في المئة فقط سنويا. وتخطو المؤسسات الصينية في هذا الطريق خطوات واسعة، عن طريق الدأب في التغلغل ضمن المنظومة الاقتصادية الأمريكية ومؤسساتها الكبرى، ففي الأسبوع الماضي على سبيل المثال، أكدت شركة جنرال موتورز الأمريكية للسيارات أنها أبرمت اتفاقا مع شركة سيشوان تنجزهونج الصينية المتخصصة في صناعة الآليات الثقيلة؛ تبيعها بمقتضاه وحدتها للسيارات الرياضية الكبيرة همر. وبموجب الاتفاق الذي أعلنته الشركتان بالتزامن، استحوذت الشركة الصينية على 80 في المئة من أسهم همر، فيما اشترى المستثمر الصيني المتمركز في هونج كونج سولانج دوجي ال20 في المئة المتبقية. استعمار جديد وعلى جانب القارة السمراء؛ أوضح تقرير نشر أخيرا عن معهد أبحاث في جنوب إفريقيا أن حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا تضاعف تسع مرات من 12.3 مليار دولار عام 2002 إلى 107 مليارات عام 2008. وقد باتت تراود جهات إفريقية مشاعر قلق من نفوذ الصين المتعاظم في القارة الإفريقية، وتحول حماسها لذلك النفوذ الآخذ في التوسع إلى خشية من “استعمار جديد” يأتي هذه المرة من أقصى الشرق وفقا لمحللين. لكن بكين تنكر في المقابل بشدة أي نزوع إلى مثل هذا الاستعمار، ناهيك عن استغلال القارة الغنية بمخزونات كبيرة من النفط والمعادن.