اختتم ملتقى الشعراء الشباب فعاليات نسخته الرابعة التي نظمتها وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية خلال الأيام الثلاثة الماضية؛ وذلك بمشاركة تسعة شعراء وبرعاية الشاعر المعروف نايف صقر، بعد ثلاث أمسيات ارتفع فيها صوت الشعر وسط اهتمام كبير من قبل وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في الدكتور عبدالعزيز العقيل مدير إدارة المكتبات بوكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، وعبدالله بن علي الجارالله المدير العام لإدارة التراث والفنون الشعبية بالوكالة. وكما كان متوقعا جاءت هذه الدورة من الملتقى مفعمة بأثر نجاحات الدورات الماضية، عامرة بحضور يتزايد كل عام من الشعراء الذين عرفتهم الساحة الأدبية والإعلامية على نطاق واسع بعد أن انطلقت تجاربهم نحو الشهرة من خلال الملتقى في مواسمه الثلاثة الماضية. أمسية مزدحمة بالجمال كان فرسان الأمسية الأولى كلا من الشعراء عبدالله الكايد، محمد الأسمري ومحمد السبيعي، وتميز كل شاعر عن الآخر في رسم معالم خاصة بقصيدته، حيث كانت بسمة إلقاء قصائد الشاعر عبدالله الكايد كافية لتعبر عن مدى ما يملك من نجومية لم تكن خافية على جمهور الشعر والمتابعين؛ لتجربته الناضجة خلال الأعوام الماضية، وكأن هذه الدورة من الملتقى أبت إلا أن تحقق لهم رغبة اللقاء به والاستماع إليه، وهي الأمنية التي كانت واردة خلال الدورات الماضية، لكنها لم تتحقق إلى الآن، الشاعر الذي تعهد أن يعلم الضي “وش هي قيمة الظلما” كان مضيئا لذائقة الشعر على مدى الأمسية كاملة. وقد كان الإبداع يعيش ذروته في تلك الليلة مع الشاعر محمد الأسمري ليجد الجمهور نفسه مجددا أمام مدرسة مختلفة تقوم على اختزال الفكرة وانتهاج أسلوب مؤثر وساخر أحيانا في طرحها، معتمدا حينا على مطولات تنضح بمشاعر منطوقة بشاعرية عالية، وحينا على مقطوعات شعرية مختصرة تشبه التواقيع الأدبية وتفيض بقدر عال من الحكمة والمفارقات اللفظية والمعنوية. الأسمري استدعى عيون المها والرصافة، واعترف بحزن فاق حدود الكلام، بينما وقف لاحقا بين نار المغفرة والاقتراف، واعتبر أن “البرد ما هو بالضلوع.. البرد من برد اللحاف! “حتى وصل إلى تعريف الصداقة والثقة ومر على الشلة والملعب الترابي”. أما الشاعر محمد السبيعي فاتجه نحو كتابة مفعمة بالعاطفة الشفافة والمفردة السهلة، دون الكثير من التكلف الإنشائي، فجاء الحب عنوانا رئيسا لقصائده التي تراوحت بين إثارة التساؤلات “في عيوني سؤال ما لقى له جواب” وبين قلب يستبسل في إخلاصه لملهمه ولا يرض التخلي عنه لأحد غيره “ولاحدٍ منك ياخذني سواك” بل إن الحب كان صوتا عاليا حتى في قصيدته الوطنية التي استهل بها فقراته الإلقائية. مصادفات الليلة الثانية أما فرسان اليوم الثاني فقد كانوا كلا من ناجي الطرقي، أحمد التيمان وناصر بن حسين، يقودهم في إدارتها الشاعر المعروف زايد الرويس، وأما المصادفة فتمثلت في أنها الأمسية الأولى للشعراء الثلاثة، ولم يكن الأمر مقصودا على الأرجح بقدر ما كان المقصود العام لهذا الملتقى أن يراهن على الجودة ويضعها على منصة الواقع، إيمانا بأن الجمال جدير بالضوء، كما أن الدهشة الأولى تظل أجمل دائما. الشاعر ناجي الطرقي كان بداية مثالية لأمسية متحفزة للإبداع، فأخذ في نثر نصوصه التي تنوعت بين صوت الذات المعتدة بنفسها حينا، والشاكية حينا، والبالغة الحدة في أحيان أخرى، وربما تمثلت السمة البارزة لدى الطرقي في تباين الخصائص التي يمكن قراءتها بين نصوصه. بدوره كان الشاعر أحمد التيمان يقيم بمنتهى الهدوء حفلة صاخبة من الشعر الحقيقي الذي لا يزيده التصفيق إلا مزيدا من العواصف الهادئة، التي تهب على ذائقة كل من يستمع لها فتصنع حالة من التفاصيل قبل أن تعيد تشكيل حالة من الإعجاب الذي يملؤه الرضا والطمأنينة، أو كما يقول “كل شي تمام”. أحمد شاعر يملك طاقة هائلة يمكن لمسها في نصوصه التفعيلية، نشر أحلام كلمته على حبل النصيب فنال ما يستحق من حب، يملك حسا مشهديا عاليا في قصيدته. فيما كان الشاعر الشاب ناصر بن حسين مسك ختام أول أمسية يشارك فيها، التي تقام بعد يوم فقط من أول أمسية يحضرها، وكأن جملة “يا محلى الصدف” قد مثلت لحظة جميلة بينه وبين جمهوره، بعد أن كانت تمر مرورا موجعا في إحدى قصائده. هو شاعر يتعامل بمسؤولية مع نصه، يمنحه مساحة شفافة من الجمال دون ان يثقل كاهله بالتكلف. ليلة خاصة الأمسية الأخيرة حظيت بجمهور جيد، أتى متأملا في المزيد من التمتع بالشعر ولا سيما بعد أن نجحت الأمسيتان الأولى والثانية في رفع مستوى سطح التوقعات وتهيئة الجو العام لاستمرار القدر نفسه من الفن الشعري الواعد والمتألق. وبطريقة مبتكرة رأى مدير الأمسية الثالثة الشاعر فيصل الشريف أن يغير قليلا في أسلوب الدخول ليمنح كل شاعر ترحابا خاصا به، ليدلفوا تباعا إلى المنصة وهم كل من راشد النفيعي، سلطان بن بتلاء وراكان القرناس. وجمعت الأمسية تفاصيل مختلفة تنقلت بنصوص الشعراء بين ما هو وطني ووجداني أو ما يتعلق بالفخر والحكمة والشكوى، كان سلطان بن بتلاء يستخدم المفردة الشعبية البسيطة أحيانا ، كان كذلك يتجه إلى نصوص تتقن مواجهة المعنى ومساءلة الوقائع في إطار شعري محكم ومتزن حاز إعجاب الحضور، في حين بدت قصائد راكان القرناس قادرة على استخدام مناطق تعبيرية مغايرة واختزال قدر كبير من حس الرؤية والصورة الشعرية الجديدة دائما، بينما كان الشاعر راشد النفيعي عند حسن ظن الكثير من المتابعين لتجربته، حيث أثبت قدر ما تفيض به تجربته من تمكن على مستوى الفكرة والخصائص البديعية التي تؤكد جميعها أن الشاعر الذي عرفته شبكة الإنترنت باسم “كلاش” قد مثل ظهورا مميزا في ملتقى الشعراء الشباب الرابع.