في أثر من آثار العولمة الثقافية والاجتماعية، يبدو أن شبان العالم يتجهون نحو خلق زي جديد موحد فيما بينهم، يعتمد على البنطال والقميص، مع ما يضاف إليهما أو ينزع منهما عند كل صرعة أو موضة جديدة. وهذه الآثار، ونحن لا نقف في موقف تقييمها، واجهتها حملات اجتماعية قادتها بعض مواقع الإنترنت وبعض الكتاب، لكنها قاومت الهجوم ضدها وازدادت انتشارا وتوسعا؛ للحد الذي دفع وزارة الداخلية نحو إصدار قرار بالقبض على لابسي ما اسمتها ب(الملابس المخلة بالآداب العامة) ومعاقبتهم، والملابس المقصودة هي ما تعارف عليه الشبان في أسماء محلية مثل (طيحني) وغيرها من ألفاظ توصف بها تلك الموضات والموديلات. وهذا التحقيق الذي يستضيف عددا من الشبان بعضهم ممن دأبوا على ارتداء ملابس قد ينظر إليها على أنها “مخلة بالآداب”، وآخرون من البعيدين عن تتبع خطوط الموضة، إضافة إلى رأي من اختصاصي اجتماعي حيال كل ذلك. فلترة اجتماعية لا حكومية بعد صدور التعميم الأمني الجديد بتتبع لابسي الملابس غير التقليدية في مظهرها، ومساندة التعميم برأي قضائي وصف ارتداء هذه الملابس بأنها من “خوارم المروءة” وبأن لابسها ممن لا تقبل شهادتهم، تفاوتت ردود الفعل بين الشبان إزاء ذلك، ولا يمكن وصف مؤيدي التضييق على خيارات الزي من الشبان إلا بالأقلية، في حين أبدت الأكثرية امتعاضها من هذا الإجراء. فمن الجانب المؤيد، يقول الشاب عبدالله عبدالغني السلماني: “إن الموضات المنتشرة الآن تشي بموضات مستقبلية أشد ابتعادا عن القيم الاجتماعية”، ومن ثم فمن الاحتراز بحسب السلماني أن يقف المجتمع تجاه هذه الموضات قبل أن تتفاقم. ويرى السلماني أن تدخل الجهات الحكومية في ذلك قد يخلق رد فعل معاكسا من قبل الشباب، وقد يصرون أكثر على ارتدائها لمجرد تحدي المنع؛ لذا فهو يقف في صف (الفلترة) الاجتماعية، وليست الحكومية لمثل هذه الموضات، بحيث تمنح تراخيص للجمعيات الشبابية ذات الاهتمام بمثل هذه المسائل للتكفل بالتوعية بطريقة بعيدة عن المنع والتهديد. المظهر الخارجي للمجتمع ويتفق معه في هذه الرؤية، عبدالعزيز سلطان، الذي أوضح رأيه في هذه المسألة بقوله: “لا تدل الموضات الجديدة على الأناقة، بل على الفوضوية، ومن ثم فهي مجرد نزعة شبابية قد تعكس واقعا غير حقيقي عن المجتمع”، ويوضح أكثر: “لو جاء أجنبي إلى البلد ورأى أولئك الشبان فسيعتقد أن ملابسهم هي القاعدة العامة للزي الشبابي، والحقيقة أنهم لا يمثلون سوى أقلية ضئيلة جدا”. وهو يرى مثل السلماني أن تدخل الجهات الحكومية قد يضعف من فرص تحقيق الهدف المطلوب. المواكبة ليست تهمة ومن جانب المعارضين لقرار التدخل في الملابس، يقول الشاب أحمد ناصر: إن ارتداء هذه الأزياء هو “مواكبة لهذا العصر الذي نعيشه”، ويضيف: “بكل صراحة فالسبب الذي يجعلني وغيري من أصدقائي نرتدي مثل هذه الأزياء، هو محاولة التكيف مع العصر، وأحيانا أشعر بأنني مجبر على ارتداء بعض الموضات من أجل البقاء ضمن الإطار الشبابي”. ويشير ناصر إلى أن القضاء على موضة ما لا يتأتى عبر منع إظهارها، فهذا الإجراء يدفع نحو التمسك بها”، لكن ثمة طرقا أخرى يستطيع بها المعارضون لهذه الأزياء أن يعرضوا رأيهم وأن يستخدموا وسائل الإقناع بدلا من وسائل الإجبار التي تتبعها الهيئة كالقبض على لابسي هذه الملابس وتوقيفهم وتوقيع تعهدات عليهم”. الذوق يفرض ذلك ومن جانب آخر، يقول عبدالله عبدالعزيز: “إن الملابس التي توصف بالمخلة، هي في الحقيقة غير مخلة، لكن عند النظر إليها مقارنة مع الملابس التقليدية فقد يظهر للمقارن حجم الاختلاف الكبير، إلا أن ذلك لا يبرر بحسب عبدالله اللجوء إلى المنع التام ومعاقبة من يقفزون عليه. فهو يقول: “إن ذوقه الشخصي يتواءم مع هذه النوعية من الملابس، ولا يمكن لأي شخص أن يجبره على تبديل ذوقه أو رؤيته للأشياء، ومن ثم فهو يعتقد بلا فعالية أي قرارات للمنع والمحاصرة” بحسب تعبيره. لم نتأثر بالقنوات ويرى ناصر محمد العادلي، أن إلقاء اللوم على القنوات الفضائية والأفلام الأجنبية، لا يستند على حقيقة، فهو يؤكد أن تتبع خطوط الموضة لا يتم عبر التلفزيون أو الأفلام، بل ثمة طرق كثيرة جدا للتعرف على الموضات الجديدة، وليس الأمر مقتصرا على تأثر بصري بما يراه الشبان. ويضيف العادلي: “يعتقد البعض أن الشبان المواطنين معزولون كما كانوا طوال الفترة الماضية، ومن ثم فإن أي تغيير هو بالضرورة ناجم عن (غزو ثقافي) ، وهذا أمر خاطئ وغير صحيح. فالموضات الشبابية الجديدة لا تنطلق من مبادئ اجتماعية أو سياسية أو دينية؛ حتى يكون نشرها جزءا من مؤامرة، بل هي تطور جماعي يكتسب ملامحه من شتى الثقافات، وليس غريبا أن تجد شبانا أمريكيين في قلب نيويورك يرتدون قطعا من الزي مقتبسة من الشماغ العربي، فمن الذي تأثر بالآخر هنا؟”.