كان لمهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق دور رئيس في تقدم ماليزيا، إذ تحولت بلاده بفضله إلى دولة صناعية متقدمة يسهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85 في المئة من إجمالي الصادرات، وتنتج 80 في المئة من السيارات التي تسير في الشوارع الماليزية. كانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة مَن هم تحت خط الفقر من 52 في المئة من إجمالي السكان عام 1970، أي أكثر من نصفهم، إلى 5 في المئة فقط عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002، أي أن دخل المواطن زاد أكثر من سبعة أمثال ما كان عليه منذ 30 عاما، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3 في المئة. يقول مهاتير محمد: «كان قرارنا اللجوء إلى التصنيع لتأمين فرص العمل، ولم يكن لدينا خبرات لا في التصنيع ولا في الأسواق؛ فاعتمدنا الاستثمار الأجنبي. وقدمنا للمستثمر الأجنبي كل ما يلزمه من إعفاءات، وقمنا ببناء بنية تحتية قوية تؤمن مستلزمات الصناعة كبناء شبكة نقل متطورة في مجالات النقل المختلفة، ركزنا على الصناعات التي تأخذ عددا كبيرا من الموظفين». لم تتخوف ماليزيا من أن يسيطر المستثمر الأجنبي على كل شيء في البلاد. فقد اشترطت الحكومة عليه تدريب العمال الماليزيين، وتأهيلهم بوضع برامج تدريب خاصة بهم حتى أصبحت ماليزيا عام 1995 تنتج السيارة الماليزية بنفسها من دون الاعتماد على اليابانيين... وهكذا مع مرور الوقت تم نقل المعارف والتكنولوجية والخبرة حتى استطاع الماليزيون اليوم إنتاج كل الصناعات التي يؤديها المستثمرون، وقدراته توازي قدرات المستثمرين الأجانب. لقد اعتمدت هذه التجربة الاقتصادية على التخطيط الصحيح، الذي يمكّن من مواجهة المخاطر والصعوبات، وكان التخطيط الجيد لا يرتبط باقتصاد السوق، ولا يلتزم بأي نهج إيديولوجي معين، بحيث تمكّن الماليزيون من الاستفادة من كل التجارب الجيدة. ويستند في الأساس إلى توجيه تفكير الناس وإقناعهم من أجل تطوير البلاد، والإسهام في الإنجازات، وهو يتطلب الكثير، إذ ليس من السهل أن تقنع الناس بضرورة التغيير. وقد تبنت الخطة السياسات الآتية لتنمية الموارد البشرية: (أ) زيادة عرض قوة العمل الماهرة لسد الحاجة في مجالات الصناعة. (ب) تحسين فرص التعليم بمستوياته المختلفة؛ من أجل زيادة الدخول وتحسين نوعية الحياة. (ج) تقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية والمستوردة. (د) تحسين نظم الأجور وربطها بالإنتاجية والعمل. وهكذا استطاعت ماليزيا تحقيق معجزة اقتصادية بكل المقاييس، حين نجحت في تنويع مصادر دخلها، وبلغت صادراتها نحو 150 مليار دولار سنويا، كما أصبحت تتمتع بمؤشرات اقتصادية جيدة، من حيث دخل الفرد والدين العام الذي يقل عن 50 في المئة من الناتج القومي.