لم يُبقِ الزمن من عيون القطيف التي فاق عددها 300 عين سوى بضع منها تكاد تندثر وتغيب كمثيلاتها التي غطتها الأنقاض وانحسر ماؤها وانصرف الناس عنها بعد أن كانت وجهة لهم ومصدرا لحياتهم. وعزا بعض الجيولوجيين نضوب هذه العيون إلى عاملين، الأول أن آبار النفط التي تنتشر على حدود المنطقة وفي أنحاء مدنها تؤدي إلى وجود فراغ في طبقات الأرض السفلى تتجه إليه مياه هذه العيون بدلا من أن تتدفق إلى السطح. أما العامل الآخر فهو بناء السدود لتجميع مياه الأمطار في بعض المناطق التي كانت تغذي العيون الجوفية والينابيع بسبب طبيعة تكوين المنطقة الجغرافي؛ فالمنطقة الشرقية أكثر المناطق انخفاضا في الجزيرة العربية؛ ما حرمها مياه الأمطار التي كانت تتساقط في مناطق أخرى وتتجه إليها عبر أنهار جوفية. عين الصدرية “شمس” وقفت شاهدا على تعب “العيون” في القطيف خلال زيارتها إلى موقع عين الصدرية الأثرية بالمنطقة البرية غرب بلدة العوامية، ورصدت حالة العين التي انهدم جزء من سورها أخيرا. وتعتبر عين الصدرية من أجمل العيون المعروفة في المحافظة؛ حيث لا يشبهها في الشكل سوى عينين هما الشنية التي تحولت إلى أطلال.. والكعبية التي سقط أغلب سورها. وتتميز الصدرية بسورها المرتفع (13 مترا)، إضافة إلى وضوح تشكيلها الداخلي الذي لم يتغير كثيرا رغم تهدُّم جزء كبير من سورها وتعرضها لزحف الرمال.. فالطبقات المكونة للعين والفتحات التي كانت المياه تمر من خلالها لتسقي مساحات كبيرة من مزارع المنطقة، إضافة إلى امتداد القاع المعروف بالتنور، حيث كان الماء يتدفق غزيرا من هذه العين، كلها لا تزال واضحة المعالم. وجهة للسياح وتسوِّر هيئة السياحة والآثار مساحة كبيرة من المنطقة التي تقع فيها العين منذ سنوات، إلا أن إهمال الموقع أدى إلى سقوط السور الذي يفترض أن يحمي العين التي أصبحت مفتوحة لكل من يرغب في زيارتها رغم خطورة الموقع. ويذكر زكي الصالح الباحث الأثري أن العين من أهم المواقع الأثرية التي يطلب السياح الأجانب زيارتها والاطلاع عليها، وبحجم إعجابهم بتصميمها وتكوينها يستغربون من الإهمال الذي تعانيه. أفاعٍ ضخمة أما عبدالمطلب المزين المختص في التاريخ فيأتي بين فترة وأخرى مع مجموعة من أصحابه ومعارفه ليعرفهم بالعين، ويقول: “منذ سنوات الطفولة وهذه العين كانت تلفت نظر القادم إلى البلدة من الجهة الغربية؛ فسورها العالي وشكلها الدائري يمنحانها تميزا عن المباني الموجودة في البلدة.. وكان الأطفال دائما ما يذهبون لاكتشافها ويعودون بقصص عن أفاعٍ عملاقة تعيش فيها.. ولاحظ المهتمون بالعين على مدى سنوات أنها بدأت تفقد سورها العالي حتى لم يبقَ منه سوى نصفه أو أقل.. وفي كل عام تفقد العين المزيد من سورها”. ويضيف: “ما يلفت النظر في هذه العين أنه على الرغم من كونها في منطقة صحراوية إلا أنها لم تردم بعد بفعل زحف الرمال، مع أن جزءا كبيرا من سورها انهدم، وربما يعود هذا إلى عمقها؛ وهو ما يفسر ما يرويه الأهالي عنها من أنها كانت في أفضل أيامها تغرق البر بالمياه حتى يتحول كأنه نهر يجري وسط الصحراء”. نظام الآثار وطالب المزين هيئة السياحة والآثار بتكثيف اهتمامها بالعين وبقية العيون الأخرى قبل اندثارها جميعا. معتبرا أن نظام الآثار الصادر في 23 / 6 / 1392ه برقم م / 26 في مادة 22 يلزم الهيئة بالعناية بكل المناطق الأثرية في المحافظة؛ حيث تنص المادة على أن دائرة الآثار وحدها التي تقوم بصيانة وترميم الآثار الثابتة المسجلة للمحافظة عليها والإبقاء على معالمها، ولا يحق للمالك أو المتصرف الاعتراض على ذلك؛ ما يعني أنه حتى العيون التي تقع ضمن الأملاك الخاصة هي من اختصاص الهيئة. أما سعيد الصناع المختص الأثري في متحف الدمام الإقليمي فيرى أن هيئة السياحة حائرة بين ملكية الزراعة لبعض العيون وكون بعضها ملكية خاصة وبين كونها آثارا. مشيرا إلى أن بعض العيون تم تسويرها من قبل وزارة الزراعة، بينما هيئة السياحة والآثار لا تشرف سوى على خمس عيون في محافظة القطيف وتم تسويرها لحفظها من العبث، ولكن بقية العيون الأخرى غالبيتها تدخل ضمن نطاق المزارع والملكيات الخاصة وبعضها لا يزال يسقي بعض المزارع القريبة منها.