ماذا بعد رمضان؟ سؤال يطرحه الكثيرون، فبعد الطاعات والأعمال الصالحة، هل يعود المسلم إلى ما كان يفعله قبل دخول الشهر، أو يحاول أن يداوم على الأعمال الصالحة التي تعوّد عليها خلال الشهر الكريم؟ وكما هو معلوم، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، والصالحون يحاولون أن يستفيدوا مما حصّلوا ليستمروا في الخير والعبادة وتحصيل الأجر، ويبتعدوا بدورهم عن كل ما يقربهم من الوقوع في الذنوب والخطايا والأوزار “شمس” توجهت بسؤال لعدد من العلماء عن المطلوب من المسلم؛ خاصة بعد انقضاء هذا الشهر الكريم، أعاده الله علينا بالأمن والإيمان.. طالب الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، المفتي العام للسعودية، الناس بمواصلة الطاعات والحث عليها، في رمضان أو في غيره، والاجتهاد فيها بعد انقضاء الشهر الفضيل، وقال: “الأعمال الصالحة هي قيمة العمر وثمن الآجال، فمن لم يعمر أيام حياته بالأعمال الصالحة، فقد خسر نفسه وأضاع دنياه وأخراه، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ ٱلْخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ)” وأضاف: “الأعمال الصالحة هي ما أمر الله بفعله، أو أمر به رسوله، وجوبا أو استحبابا، وترك ما نهى الله عنه، أو نهى عنه رسوله؛ تقربا إلى الله واحتسابا”. وذكر آل الشيخ أن الأعمال الصالحة تكون زاكية ووافية الأجر والثواب، إذا كانت خالصة لوجه الله تعالى مع فراغ القلب من سواه. التحذير من الفتن العامة والخاصة وطالب فضيلته من الناس بعد رمضان الانتباه للفتن العامة والخاصة التي تعوق المسلم عن أداء عباداته. والحث على فعل الطاعات والاستكثار من أنواع القربات في حال الصحة والفراغ، وقبل مداهمة الفتن الخاصة أو العامة، كالدجال والساعة، والحث على التزوُّد من الخيرات في الحياة قبل الممات، ومفهوم العدد غير مراد في الحديث، فليست الموانع والمعوِّقات للأعمال الصالحة محصورة في هذه الأمور السبعة، وإنما نبَّه النبي على هذه السبعة لأهميتها وكثرة تعرض الناس لبعضها، ومما يدل على أن مفهوم العدد غير مراد، وأن الموانع والمعوقات للأعمال الصالحة أكثر من هذه السبعة، ما روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: (بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدجال، والدّابة، وخاصة أحدكم، وأمر العامة) أي: الفتنة الخاصة والفتنة العامة، وفي البخاري عن ابن عباس مرفوعا: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك). دور السلف كان السلف الصالح رضي الله عنهم يتمسَّكون بهذه التوجيهات النبوية، ويعملون بهذه الإرشادات الربانية، حتى قال ابن عمر رضي الله عنه: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك)، وفي الحديث: (تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، وقال الله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَٰهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ). استمروا في العبادات ومن جهة أخرى، يقول الدكتور خالد اللاحم، أستاذ القرآن وعلومه بجامعة الإمام، مخاطبا المسلم المقصر بعد رمضان: “ها أنت أيها المسلم قد تعودت كل ليلة أن تصلي عددا من التسليمات في مواعيد محددة، تقرأ فيها قدرا من القرآن؛ بحيث تختمه كل شهر، يستغرق منك هذا القيام نحو ساعتين؛ إن الالتزام بمواعيد للقيام بالقرآن كل ليلة كما تعودنا عليه في رمضان، يجب أن يستمر بعد رمضان، وهي مواعيد كما جربت وشاهدت لا تتعارض مع حياتك الاجتماعية ولا تعيقك عن التواصل مع الآخرين، ولو قدر أنها تعارضت فهي أولى بالتقديم، وهي أولى بالوقت من غيرها”، ويضيف: “أخي في الله، لا يكن آخر عهدك بالقيام بالقرآن هو سماع خبر العيد، وربما رأيت هذا المشهد أوضح ما يكون في المسجد الحرام، فحين يعلن خبر العيد؛ فإن معظم الناس إما ينصرفون أو يجلسون للقيل والقال والقهوة والشاي، والقليل منهم من يواصل القيام بالقرآن، ذلك أنه فعلا استفاد من درس رمضان وأدرك حقيقة هذا العمل، هنا يتبين من شفي بالقرآن، ممن لا يزال قلبه مريضا وبحاجة ماسة للعلاج”. لا يمكن حصر عبادات المسلم وأكد فضيلة الشيخ محمد المنجد، أن المداومة على الأعمال الصالحة أمر رغب فيه الشرع في كل شهور السنة، بل وجعله من الأمور الدالة على قبول الأعمال التي سبقته، فالحسنة تتبع الحسنة والسيئة تتبع السيئة، وعرف المنجد الأعمال الصالحة قائلا: “هي ما كانت موافقة للشرع، ويكون صاحبها مُخلصا لربه تبارك وتعالى”، وعرف العبادة بأنها: “اسم جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة”. وعن العبادات التي يحرص عليها المسلم قال المنجد: “هي متنوعة وكثيرة، ولا يمكننا حصرها فضلا عن تعدادها، ومن أهمها الصلاة لوقتها، وهي خمس صلوات فرضهن الله في اليوم والليلة، وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على كفر من تركها، ولا يحل تأخيرها عن أوقاتها، ويجب أداء أركانها وواجباتها، وأن يصلي المسلم كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم”. وأضاف: “كما أن من الأعمال الصالحة التي يجب الحرص عليها: بر الوالدين، وهو طاعتهما في طاعة الله تعالى، ولا يجوز طاعتهما في معصية، ومن البر بهما عدم رفع الصوت عليهما، ولا إيذاؤهما بكلام قبيح، ومن البر بهما الإنفاق عليهما، والقيام على خدمتهما” ولفت الشيخ المنجد إلى أن الحب في الله والبغض في الله من أهم الأمور التي يجب أن تكون معيارا لتعاملاتنا مع الناس. وطالب المنجد الناس بالصدق والأمانة والعفو عن الناس، وحب بعضهم بعضا، وإطعام الطعام وإفشاء السلام، والإنفاق في سبيل الله، والاجتهاد في جميع الطاعات.