الدكتور خالد البكر، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود.. خطيب مفوه ذو أسلوب أخّاذ.. استطاع من خلال قدرته الكبيرة على الإقناع، واختياره المميز للموضوعات، أن تتقاطر على مسجده أعداد كبيرة من الشباب، ناهيك عن تواضعه الجم، وأخلاقه العالية، تحدث لشمس” عما يحب وما يكره، وعن علاقته بالشهر الكريم، فكان حوارا متسما بالصراحة المعهودة عنه.. وللبكر علاقة حميمة مع الإنترنت والمواقع الإلكترونية، فدخوله إلى موقع التواصل الشهير (الفيس بوك) يعد برهانا على قرب الشيخ من الشباب، فإلى الحوار: * رمضان شهر الخير والبر كيف نخرج منه وقد حظينا بثمراته؟ يحظى برمضان من يدرك ويؤمن أن في الحياة فرصا، وأن أثمنها وأعظمها رمضان، وهذه الفرص تعبر كالسحاب، لها زمان محدود وعمر معدود. وهي تُعطى للمسلم لينطلق في أتون معركة الحياة والإقبال على الآخرة. والعاقل هو الذي يقتنص هذه الفرصة؛ “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”؛ فالأيام هي أيامنا وهي فرصتنا وعمرنا، وقد لا تتكرر في الحياة؛ فالمنتصر هو من وعاها، واستغلها كل يوم واستثمرها كل ساعة وانتفع بها كل لحظة؛ فهو يسابق في الخيرات وينافس في الطاعات ولا يزال متذكرا مقولة “سبقك بها عكّاشة”؛ فهي صفعة على خد كل متردد متكاسل يقدم رجلا ويؤخر أخرى. * كانت لك شهرة بوصفك داعية، وكان حضورك في الوسط الدعوي كبيرا، ومع ذلك لم تظهر إعلاميا بالزخم ذاته.. كيف ترى مشهد الدعاة في الإعلام؟ الإعلام، خصوصا القنوات الفضائية، يلعب دورا أساسيا وجوهريا في عملية تشكيل العقل وتوجيه المجتمع وتكوين الرأي العام بما يمتلك من قدرة على الانتشار الواسع، وفي الفترة الحالية لاحظت سهولة الظهور بل وجدت تسابقا محموما من الدعاة والمشايخ للظهور في تلك القنوات، واستجاب العديد منهم. ونسي هؤلاء أنه لن يستمر إلا أصحاب البضاعة الجيدة، المتجددة في العرض ومواكبة أحداث الأمة، المملوءة بالمعلومات، والمهتمة بالجودة، وإن بذل الكثير من الجهد والوقت. أما بالنسبة إلي فأنا أرفض أن أقدم عملا منقوصا بلا فكرة جديدة مميزة؛ فمعاناتي الحقيقية مع الفكرة المبتكرة الجيدة والمؤثرة المستمرة؛ فالفرق هو ما أبحث عنه؛ فهل عندكم من فكرة فتخرجوها لنا؟ * يشكو كثير من الناس من ضعف الخطبة أو أسلوب الخطيب أو كليهما.. كيف يمكن معالجة هذا الخلل؟ المتابع لواقع الخطباء يجد أن الأقلية منهم هي المميَّزة والمؤثرة. وعلى الرغم من أن الكثير منهم قضى سنوات عدة فوق منبره خطيبا، فإنه لم يطور نفسه ولم يتقدم خطوة. وهناك مشكلة يجب أن نعترف بها؛ لأنها جزء من الحل؛ وهي أن الخطيب يدخل، وقلما تجد جامعا قد امتلأ بالمصلين قبل بدء الخطبة، وبعض المصلين لا يستيقظ من سباته أو من شروده الذهني إلا مع إقامة الصلاة! وقد يكون الخلل في المصلي نفسه، وهذا له أسبابه وطريقة علاجه، ولكن ما يعنينا هنا إذا كان الخلل من الخطيب نفسه. * لماذا اقتحمت موقع (الفيس بوك)، مع أن كثيرا من الدعاة لا يروق له ذلك؟ يحلو لي أن أسميه جمهورية (الفيس بوك) العظمى؛ فهو موقع اجتماعي، نجح في استقطاب ملايين الناس من مختلف الجنسيات والأديان والثقافات؛ فحصل على المرتبة الخامسة في أكثر المواقع زيارة في العالم، ونجح هذا الموقع في تحويل من لهم وجود على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) من عالم افتراضي غامض إلى مجتمع كامل، ومن السهولة أن نستفيد منه في نشر العقيدة الصحيحة والمفاهيم الواعية والأفكار الناضجة والقيم والأخلاق لو أننا بادرنا بتأسيس الصفحات وتكوين التجمعات مع أبناء هذا العالم المتنامي، الذي يترقب منا أن ندعوه إلى الدين الإسلامي الصحيح. * كيف تمر عليك الأحداث الرمضانية؟ وما أكثرها عمقا وتأثيرا فيك؟ أقر وأعترف بأنني أمارس الهروب كثيرا في زمننا هذا، زمن الضعف والهوان إلى الأحداث المفعمة بالنصر والتمكين لأستنشق عبير العزة والكرامة، وأتعلم منها الحقائق التي أرستها، والموازين التي قررتها.. ولكن يبقى الحدث الأبرز الذي أجد ذكراه مع أول يوم من رمضان هو حادثة غزوة بدر الكبرى التي جرت في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة، فغيرت مسار التاريخ، وحولت العالم من الظلام إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الهمجية إلى الحضارة، ومن الجاهلية إلى الإسلام، لقد كانت بدر ولا تزال معلما عريقا ودستورا منيرا. * ذكرياتك مع رمضان.. كيف تسردها؟ يبقى لرمضان ذكريات ساكنة في أعماقنا، خصوصا أيام الطفولة والصبا، غير قابلة للمسح أو النسيان، تفتح بابها فنطوف في أروقتها، ونقتحم خزائنها باحثين عن أجملها، بعد أن سيطر علينا عصر العولمة، مختطفا صغارنا وكبارنا على حد سواء. وذكريات رمضان ارتبطت عندي كثيرا بمرحلة الطفولة، حيث بدأت الصيام في سن مبكرة، وكنت أراه صراعا مع الذات على الرغم من محاولات من كانوا في مثل سني لثنيي عن مواصلة الصيام، فبقيت صامدا ثابتا لم أتضعضع ولم أتراجع مع أن الحلوى والعصيرات في صباح رمضان لها مذاقها الخاص. ومن الذكريات العالقة: الشيخ علي الطنطاوي ومائدته، فكنت أتسمر أمامه مرغما لأتناول وجبة الإفطار؛ فقد نجح في استقطابي لبرنامجه، متفاعلا مع حديثه مستمتعا به، وأعلن عن ابتسامة عريضة كلما نسي موضوعه الذي يتحدث عنه، فما زلت مترقبا لعبارته الجميلة “والله نسيت”. * هل كنتم تحرصون على أداء صلاة التراويح في تلك الفترة؟ صلاة التراويح والقيام شهدت تنافسا محموما بيننا، أيّنا ينجح في إتمامها مع الإمام؟! وكانت صلاة القيام إذ ذاك تستغرق وقتا طويلا في القيام والركوع والسجود لا كحالها الآن، وكنت أشعر بقيمتي حينما يصل إليّ فنجان القهوة الساخن وأنا جالس في الصف يناولني إياه من يكبرني سنا، فأحاول أن أرفع من قامتي فقد تساوت الرؤوس. * لماذا يجد بعض الدعاة حرجا عند الحديث مثلا عن الحياة الشخصية؟ أنا لا أجد غضاضة في أن أتحدث عن هذه القضايا بصورة معلنة، بل أرى أنها تقربك للقلوب، في حين أن هناك من يرفض تناولها لأمرين: الأول، يشعر بأن فيها انتقاصا لشخصه، وتقليلا من شأنه، وتدخلا في خصوصيته؛ ما يؤدي إلى تشجيع العامة على الجرأة عليه، والخوض معه بعدها في أمور لا فائدة منها، ولا طائل من ورائها. والثاني، يشعر بأن كلماته محسوبة مكتوبة، وآراءه مسجلة محفوظة، فهي تبقى للتاريخ، وقد تؤدي به إلى إحراجات مع الآخرين ممن وقعوا في قائمة التفضيل كالقارئ المفضل أو الداعية المقدم أو المنشد المحبب وهكذا، فلا يريد أن يخسر أحدا. ولن أغادر جواب هذا السؤال حتى أعترف لك بأن القارئ المفضل عندي الشيخ سعد الغامدي، أما الأكلة المفضلة فخبرها عند أم عبدالرحمن فهي من تعدها وتجهزها. * كيف هي متابعتك للإعلام بشكل عام؟ وما نوعية البرامج التي تفضلها والمقالات التي تقرؤها؟ طغت علي القراءة كثيرا كوسيلة تثقيفية تعليمية، حيث وجدت نفسي قارئا نهما في مجالات عدة، وهذا أثر في متابعاتي الإعلامية الأخرى: المرئية، والمسموعة. والقراءة عندي لا ترتبط بكاتب معين؛ فشعاري الدائم “الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها”. ولما كان عالم الشبكة العنكبوتية قد فتح لي آفاقا أوسع للاطلاع على كثير من الكتابات، فقد حوت كتابات رائدة مميزة. أما الإعلام المرئي والمسموع فأصل إليه على قلة متابعتي من خلال الإنترنت عبر بوابة (اليوتيوب) فأنتقي بعض المحاضرات واللقاءات. * متى يصبح الدعاة والمشايخ أقرب إلى الوسائل الإعلامية خصوصا للصحف؟ إذا شعروا بأهميتها، وامتلكوا مفاتيحها، وخاصة الكتابة؛ فالكتابة المؤثرة كمهر جامح يصعب ترويضه، والكتّاب كثر، تتزاحم بهم الصحف والمجلات وشبكات الإنترنت، ولكنهم كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة. فالكتابة فن لا يتقنه إلا من شغف به، وحفظ قواعده، وتغلغل في بحاره، وتأدب بآدابه. والكتابة أمانة، ويبقى الدور على الصحافة في اكتشاف الأقلام المميزة، وفتح الأبواب لهم بعيدا عن المحسوبيات والأجندات الخاصة. * كلمة أخيرة.. أوجه شكري لك، وللقائمين على صحيفة “شمس” على إتاحة هذه الفرصة لمخاطبة جمهورها العريض، وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صوم رمضان وقيامه.