سأمشط شيئا من ذكرياتي المبعثرة لهذا الشهر الجليل.. قد تشاركوني شيئا منها، وربما عايش الكثير منكم تفاصيلها.. ما دفعني لذلك كان الحنين لتلك الأيام، والتي بدت مختلفة عما هي عليه الآن. فالأشياء الجميلة تذبل.. والماضي لا يمكنه أن ينهض مرة أخرى.. * مع أن الديموقراطية لم تكن يوما من مفاهيمنا، إلا إنها كانت حاضرة بشكل آخر عند الصوم، فأمامك ك (طفل) خيارات متباينة، فلك أن تصوم حتى العصر، أو حتى المغرب، إن ساعدت معدتك على الصبر أكثر، وإن كنت ذا حظ مبتسم فتصبح “الذواق” والذي تستخدمه والدتك للتأكد من ملوحة الشوربة، وهي فرصة قد لاتتكرر كثيرا.. * أن تصوم بعد سنوات الطفولة، يعني أن تقوم بمعركة ضد جوعك، وأحيانا لاختبار قدرتك على الاختباء عن الأعين، والتهام مسحوق الجلي بالكرز، أو سرقة حبات من السمبوسة، مطلقا ساقيك للريح نحو مكان حددته مسبقا، ك (تحت الدرج) أو فوق السطح.. تخبئ آثار جريمتك المتقنة لتخرج كمن لم يفعل شيئا، قبل أن تصادفك والدتك فتسألك: “عسى ما أكلت شيء ياوليدي”.. فتجيبها بكل ثقة: “لا يا مه أنا صايم”.. فتبتسم وهي تقول: “طيب امسح بقايا الجلي عن فمك، الله يصلحك”! * حين الفطور تعد الثواني بشغف، وتستعد الأيادي للانطلاق قبل سماع مؤذن حينا (أبو محمد).. كانت الأصناف لا نراها إلا كل رمضان، فاللقيمات والفيمتو، مثلا، كانت تشبه بروتوكولات لاحتفال سنوي ننتظره بفارغ الصبر.. والجوع أيضا.. * عند السحور تختلف الحكاية، فرغم نيتك المبيتة يوم غد لسرقة شيء تسد به رمقك، إلا إن ذلك لا يمنعهم من إصرارهم على إيقاظك للسحور، رغما عنك وعن لذة نومك، تجرجر أقدامك نحو السفرة، يملؤك النعاس وأنت تسمع أحاديثهم على صحن السحور وكأنها أحلام.. تمسك يد أحدهم قبل أن يلكزك قائلا: “تراها يدي، مو لحمة”!