ما إن يهل شهر رمضان حتى يتبادر إلى أذهان كثير من المسلمين التفكير في المبادرة لأداء مناسك العمرة في الشهر الفضيل. ويأتي هذا استجابة لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن العمرة في شهر رمضان ”إِنَّ عُمْرَة فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً“. ومن هنا يأتي سعي عدد كبير من الناس إلى عدم تضييع هذه الفرصة، في حين يرى بعضهم نفسه محروما من هذا الأجر العظيم؛ إما لأنه استنفد إجازته السنوية أو لعدم قدرته على الحصول على إجازة في هذا الوقت من العام. وفي كثير من الأحيان تكون (الإجازة الاضطرارية) هي الطريق الوحيد المتاح للتمكُّن من الوصول إلى الديار المقدسة. التحايل غير أن هذا التحايل على أنظمة العمل، في استغلال ثغرة (الإجازة الاضطرارية) قد يفضي إلى حرج شرعي، تحدث عنه عدد من العلماء الذين قمنا بأخذ آرائهم، حتى تتضح أدلتهم التي بنوا عليها رؤيتهم الشرعية؛ ليطلع عليها الموظف ويكون على بيّنة من أمره حين يأخذ قراره. لا للأئمة والمؤذنين بداية يؤكد الدكتور سعود الفنيسان (عميد كلية الشريعة سابقا) أن من حق الموظف أن يأخذ إجازته متى ما رأى أنه بحاجة إليها، وما دام المسؤول عنه قد أجاز له ذلك، مستثنيا من ذلك الأئمة والمؤذنين؛ حيث يتحتم عليهم الحضور في رمضان لمسؤوليتهم المباشرة عن إقامة الشعائر. وقال: “تقدير مدى حاجة الشخص إلى الإجازة الاضطرارية يعود إليه نفسه وإلى مديره في العمل؛ فإن سمح له بأن يغادر تحت ذات البند فهو عائد إليه؛ لأن هذه الإجازات هي من حق الموظف، وله كل الحق في الحصول عليها وقت الحاجة، لكن بالتأكيد لا يجوز له الكذب على مديره أو الاحتيال عليه من أجل الحصول عليها”. الأمر واسع وحول محاولات كثير من الموظفين أخذ هذه الإجازة في رمضان للذهاب إلى مكةالمكرمة أكد الفنيسان أن الأمر واسع، ومن حق الموظف أن يبحث عن طريقة مشروعة حتى يستطيع أداء العمرة، وتحصيل أجرها العظيم. وحول بعض الأئمة والمؤذنين الذين ينيبون غيرهم ليتسنى لهم أخذ العمرة في رمضان أوضح الدكتور الفنيسان أن مثل هذا العمل مخالف للنظام الخاص بالأئمة والمؤذنين؛ فالوزارة أكدت عليهم عدم التهاون أو الإنابة في رمضان؛ لذلك ينبغي عليهم ألا يتركوا مساجدهم من أجل أن يؤدوا العمرة؛ لأن ذلك يعد تفريطا منهم وتهاونا في أداء الأمانة الموكلة إليهم، وفي الأثر: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه”؛ فلا ينبغي التهاون في العمل والتفريط والتحايل من أجل فعل سُنَّة، في حين أن أداء العمل المكلف به الموظف بإتقان واجب. تقدير المدير من جهته أدلى الشيخ صالح بن مقبل العصيمي (عضو جمعية الفقه) برأيه في حكم الإجازة الاضطرارية للموظف لأجل العمرة في رمضان، وبيّن أن هذه الأمور يعود تقديرها إلى الموظف ورئيسه، وإذا كان النظام يسمح له بإجازة وطبيعة العمل تعطيه الحق في الحصول عليها؛ فمن حقه أن يستفيد منها بأمر تعبدي لله سبحانه وتعالى. مشددا على أن التحايل بالكذب من أجل الحصول على الإجازة يعد أمرا مخالفا للشرع، وأن إثم الكذب أعظم من أجر العمرة؛ فلا يجوز للموظف أن يكذب ويقول مثلا: “والله عندي ظرف عائلي”، أو “عندي مريض”، بل ينبغي أن يكون صريحا في مبرره لأخذ الإجازة، وهو الرغبة في الحصول على المثوبة والأجر الذي تختص به عمرة رمضان. لا للتحايل في حين ذهب الدكتور عبدالعزيز بن فوزان الفوزان إلى أن أخذ الإجازة الاضطرارية لأجل أداء العمرة في رمضان عن طريق التحايل لا يجوز قطعا؛ فهو يرى أن الذهاب إلى العمرة عمل مستحب، ولكنه ليس ضروريا في رمضان أو في غيره؛ فأخذ إجازة اضطرارية من أجل العمرة وترك العمل لا يجوز من وجهين: الأول: أن هذا كذب واحتيال على النظام، وليس هناك ضرورة حقيقية تدعو إلى الإقدام على ذلك. الثاني: أن في هذا التحايل تركا للواجب، وهو القيام بالعمل الذي تعهد بالقيام به، وأخذ مرتب شهري مقابله؛ فالواجب التوبة إلى الله، وترك الإهمال والاحتيال، فالعمرة في رمضان سنة والقيام بالعمل واجب؛ فكيف يُترك واجب من أجل أداء سنة؛ فالأولى أن يهتم الموظف بأداء الواجب، وألا يختلق الأعذار للحصول على إجازة اضطرارية؛ إذ لا يمكن اعتبار أخذ العمرة في رمضان من الأمور التي يضطر إليها الموظف.