أرى الملامح والثياب والعباءات النسوية السعودية تملأ جنبات مجمع السيف البحريني، يتجولون ويتسوقون.. يأكلون من مطاعم الوجبات السريعة مع أبنائهم الصغار.. كل ذلك كان طبيعيا؛ كون العائلة السعودية تتسوق، وتمارس السياحة في دولة خليجية شقيقة، خاصة في هذا المجمع المشهور على مستوى الخليج.. إلا أن هنالك شيئا لفت نظري حينما رأيت تلك العوائل تصطف خلف شباك التذاكر، بهدف حجز مقعدها في قاعة السينما الموجودة بالمجمع، لمشاهدة الفيلم المفضل. لم أكن مستغربا كون دور السينما غير موجودة لدينا أو بالأحرى غير مسموح لها إطلاقا.. حجزت التذكرة ومضيت إلى القاعة المحددة.. ما إن جلست على المقعد المحدد حتى رأيت عوائل سعودية من شتى الأعمار تملأ مقاعد القاعة ككل.. هنا تساءلت: كيف تسمح عائلة لأبنائها الصغار الذين لم يبلغوا الحلم برؤية مشاهد لا تتوافق مع قيمنا وتعاليمنا الإسلامية؟.. خرجت من القاعة والتقيت سعوديين حضروا للسينما في مجمع السيف البحريني. آخر مكان حينما كنت أنتظر الدخول إلى القاعة، وكانت المرة الأولى لي التي أدخل فيها سينما، لفت نظري حوار دار بين شابين سعوديين.. بعدما سلم أحدهما على الآخر، التفت إلى صديقه قائلا: “آخر مكان توقعت أن أراك فيه هو قاعة السينما”. رد عليه صديقه قائلا: “لا بد أن عقلية الإنسان تتطور وتبتعد عن التزمت غير المشروع واللامنطقي”. وأردف قائلا: “هل أتيت وحدك؟”. أجابه: “لا.. جئت مع زوجتي”. من خلال هذا الحوار البسيط اكتشفت أن العادات والتقاليد والأعراف في طريقها إلى الاضمحلال، وأن المحاربين القدامى عن تلك العادات بدؤوا يتآكلون، ويستسلمون أمام ركب التطور، بل إنهم أخذوا يسابقون الآخرين للوصول إلى كل ما هو جديد. حينما دخلت إلى القاعة كان إعجابي يزداد؛ حيث رأيت أطفالا صغارا لم يبلغوا الحلم يشاطرون ذويهم مشاهدة الفيلم في سينما السيف البحريني. من نجران للبحرين التقيت هناك طلابا سعوديين من الرياض، يدرسون الطب في جامعة الخليج بالبحرين.. تعرفت عليهم وعرفتهم بنفسي.. حينما عرفوا أنني صحافي رفضوا الحديث معي.. عللوا ذلك بأن أهاليهم لا يرضون لهم حضور السينما؛ لذلك لن يتحدثوا معي حول السينما. وحده محمد اليامي تحدث معي عن السينما بكل ارتياح قائلا إنه يأتي من نجران في الإجازة إلى البحرين، قاطعا آلاف الكيلومترات؛ من أجل رؤية فيلمه المفضل في السينما. ويشير اليامي في الوقت نفسه إلى أنه “يطالب بفتح دور سينما في الوطن، تخضع لرقابة مُحكمة؛ حتى توفر عليه هذا العناء، ويشاهد أفلامه التي يريدها”. ويوضح: “هنالك كثير من الشباب السعودي يأتي إلى البحرين لمشاهدة السينما”. ويضيف أنه “في الغالب يشاهد الأفلام العربية ويفضلها على الأجنبية”. ويوضح اليامي أن “فتح دور السينما في الوطن يساهم بشكل كبير في توظيف الشباب، وكذلك يساهم في السياحة الداخلية، وينعش الاقتصاد المحلي”. ويقول: “أنا كلما سنحت لي الفرصة وحصلت على إجازة أحاول بشتى الطرق الحضور إلى البحرين لدخول السينما؛ لأن البحرين هي الأقرب”. (18 بلس) ويستغرب خالد الدوسري (دبلوم حقوق من جامعة الإمام) من بعض العوائل التي تحضر لمشاهدة فليم، لا يشاهده ما دون ال18. ويوضح أن “بعض العوائل السعودية تُدخل معها أبناءها الصغار لمشاهدة الفيلم، دون مراعاة ذلك التحذير، بل تصر على ذلك”. ويقول: “حينما يمنع الحارس دخول طفل هذه العائلة أو تلك إلى القاعة تجدها تصر عليه كثيرا”. من جانب آخر تحدّث صديقه محمد القحطاني قائلا: “إن ما يُعرض في السينما يعارض قيمنا وتعاليمنا الإسلامية”. ويطالب القحطاني العوائل بعدم جلب أبنائها الصغار إلى السينما. مضيفا أن “المفروض ألا يدخل السينما إلا من كان عمره يزيد على 21 سنة؛ وذلك كي يكون واعيا وفاهما، بخلاف ما دون ذلك السن”. ويوضح أن من يشاهد تلك الأفلام “يرى مشاهد مخلة بالآداب وغير لائقة، فيتطبع الطفل على تلك المشاهد فينحرف مبكرا”. روعة الحضور لكن الشاب خالد الحبيب، من مكةالمكرمة، يتحدث عن الحضور إلى السينما بشكل مختلف، ويرى أن له روعته ورونقه، ويقول: “نحن باستطاعتنا تحميل الأفلام عن طريق النت، وشراؤها من محال الفيديو، إلا أن حضورك للسينما له رونق خاص”. ويوضح: “هناك تشاهد مع الجمهور، ومع وجود شاشة كبيرة، وسماعات استيريو”. ويضيف: “أنت في قاعة السينما تعيش أجواء رائعة جدا. هذا ما يجعلني أقطع مسافة أكثر من 400 كيلو من الرياض، حيث أعمل، لأحضر إلى السينما في البحرين؛ من أجل مشاهدة آخر الأفلام”. ويشير إلى أنه “يرى كثيرا من العوائل السعودية تحضر إلى السينما”.