مع اقتراب العام الدراسي من نهايته أثار توجه المدارس الأهلية في السعودية إلى رفع رسومها بنسب تراوحت ما بين 10 و25 في المئة، حفيظة أولياء أمور الطلبة، الذي اتهموا ملاك المدارس الأهلية، باستغلال ما يقدمونه من خدمات - وهي في الغالب كمالية لاستنزاف أموالهم - وطالبوا بتخفيض أسعار الرسوم، وبخاصة أن بعضهم لديه أكثر من ابن وبنت بالمدارس، يضطر ولي الأمر لدفع أكثر من 100 ألف ريال لرسوم المدارس، بخلاف المستلزمات المدرسية، التي تُطلب بشكل اسبوعي وتستنزف الجيوب. وفي المقابل يدافع ملاك المدارس عن قرارات زيادة الرسوم. ويقولون ان الزيادات خارجة عن إرادتهم، “فهم يضطرون لزيادة المصاريف لمواجهة الغلاء الذي طال كل شيء”. ومن جهتهم يقول مسؤولو وزارة التربية والتعليم ان الوزارة لا تملك صلاحيات بشأن رسوم المدارس الأهلية، وان مدارس الحكومة مفتوحة لكل مواطن مجانا. “شمس” رصدت أسعار المدارس الأهلية بالمنطقة الشرقية كنموذج لما يجري على امتداد الوطن، وناقشت أنواع الخدمات التي تقدمها، ومبررات رفع الرسوم الدراسية، في سياق التحقيق التالي: الجشع.. والتكدس يقول إبراهيم حسن آل أحمد (أحد أولياء الأمور): “المدرسة الأهلية التي يدرس فيها ابني بسيهات، قررت رفع الرسوم الدراسية العام المقبل”. واضاف: “لم تحدد الزيادة بعد، لكن أحد المسؤولين في المدرسة ذكر أنها ستكون من 10 إلى 15 في المئة”. وردا على سؤال حول سبب تسجيل ابنه في المدرسة الأهلية قال: “أجدني مضطرا لإلحاق ابني بالمدارس الأهلية بسبب ازدحام فصول المدارس الحكومية، حيث يصل العدد في الفصل الواحد إلى 50 طالبا، بينما سعة الفصل الواحد في المدارس الأهلية 25 طالبا على الأكثر”. وأوضح آل أحمد أن “الجشع وسكوت أولياء الأمور يشجعان بعض المدارس على زيادة الرسوم”. مشيرا إلى أن وزارة التربية والتعليم تعلم بتلك الزيادة لكنها لا تحرك ساكنا - على حد قوله - داعيا إياها (الوزارة) بتحديد سعر موحد للمدارس الأهلية، بصفتها تتبع جهة حكومية ذات اختصاص بالأمر. مستوى المعلمين ومن ناحيته يقول عبدالله الشمري (ولي أمر) انه سيضطر إلى تحمل الزيادة الجديدة من المدارس الأهلية، في مقابل الانضباط واهتمام الإدارة بالطلاب ووجود معلمين على مستوى عال. وأرجع سبب تسجيل أبنائه في المدارس الأهلية إلى أن المدارس الخاصة تشجع الانضباط الذاتي للأولاد، وتعلمهم الاعتماد على النفس، والتعاون بين فريق المدرسة والأهل في مساعدة الطلبة على تنمية المهارات، وسعيهم إلى توفير أفضل الفرص الملائمة للأبناء. معلم أم سائق؟ أما معلمو المدارس الخاصة فكان لهم رأي خاص أيضا في الموضوع، يقول معلم في مدرسة أهلية (طلب عدم نشر اسمه): “المعلمون في المدارس الأهلية رواتبهم ضعيفة جدا، مع أن غالبيتهم من حملة الشهادات العليا، ولديهم خبرة”. ويضيف: “راتب المعلم لا يتجاوز 3500 ريال بأي حال من الأحوال، هذا إن كان لديه خبرة 20 سنة في التعليم”. ويوضح: “أنا تقدمت إلى احدى المدارس الأهلية فور تخرجي من الجامعة، وكان راتبي 2500 ريال”. ويذكر ان “سائق (الباص) يتسلم ألفي ريال، مع العلم أن المدرسة التي أعمل فيها من أرقى المدارس، وأولياء أمور طلابها (من رجال البزنس)”. ويضيف: “بينما في مدرسة أخرى راتب المعلم 1800 ريال”. ويتساءل بحسرة: “أليس الأفضل له أن يعمل سائقا في مدرستنا؟”. ويختم العلم حديثه متسائلا: “مهنة التعليم من أشرف المهن، فلماذا ضعف رواتب المدرسين؟”. ويقول: “أنا شخصيا تحيرت في ذلك، بل وفي نظرة الناس المادية تجاه المعلمين، فقد أصبحت نظرة دونية”. هجرة الهاجري من ناحيتها تقول نورة الهاجري (معلمة في مدرسة أهلية): “عملت في مدرستين أهليتين، وكل واحدة منهما أسوأ من الأخرى”. وتوضح: “المدرسة الأولى كانت تصرف لي راتبا قدره ألفا ريال، رغم أن شهادتي (بكالوريوس) في مادة الفيزياء”. وتضيف: “كنت أنا من يتكفل بالوسائل التعليمية، وكانت إدارة المدرسة تطالبني بنشاط للطالبات، وحصة النشاط اللامنهجي أسبوعيا”.وتشير الهاجري إلى أنها انتقلت بعدها إلى مدرسة أهلية أخرى براتب شهري قدره ثلاثة آلاف ريال، مستدركة: “لكنني وُوجهت بمضايقات من إدارة المدرسة، بسبب الحسم المتكرر الذي تعمدُ إليه بحجة التأخر والغياب، أو ترميم غرفة المعلمات!”. وتضيف: “طبيعي أن تتصرف إدارة مدرسة أهلية بمزاجها، وتتجاوز كل اللوائح والقوانين، بل وتتلاعب بأعصاب ومجهود المعلمات”. وتعلل ذلك قائلة: “لا يوجد رقيب ولا حسيب”. وتضيف: “لو كانت الوزارة تتابع وتراقب إدارات المدارس الأهلية لما كان هذا حالها”. وتؤكد الهاجري أنها “هجرت التدريس في المدارس الأهلية؛ بسبب تدني الأجور وضغط الحصص الذي لا يقابله راتب مناسب”. وتختم رأيها قائلة: “إذا لم تحل المشكلات في المدارس الأهلية، فلن تكون هناك سعْودة”. وتضيف: “توجد خريجات كليات ومعلمات مفصولات أو مستقيلات من المدارس الأهلية، وهذا هدر للطاقات الوطنية”. ديون معدومة من جهته يوضح مدير مدرسة أهلية بمحافظة الخبر (اشترط عدم نشر اسمه) أن نسبة الارتفاع في الرسوم تختلف من مدرسة إلى أخرى. ويضيف انها تتراوح بين 10و 25 في المئة. مشيرا إلى أن نسبة الزيادة تحددها مكانة المدرسة ومستواها وخبراتها في العملية التعليمية. ويقول: “قرار المدارس الأهلية برفع الرسوم مرتبط برواتب المعلمين، وبالتنافس على استقطاب الكفاءات”. ويضيف: “ارتفاع إيجار العقارات الذي أثر سلبا في الجميع، هو ما أدى إلى زيادة التكلفة، في وقت تسعى فيه المدارس لتقديم بعض البرامج التعليمية المتطورة والترفيهية، وهو ما قلل نسبة أرباح أصحاب المدارس مقارنة بما يقدم من خدمات جيدة”. ويقول مدير المدرسة: “الزيادة الجديدة تعتبر ديونا معدومة، ولن تُحصّل من قبل أولياء أمور الطلاب المتأخرين والمماطلين في التسديد، بعد أن أصدرت وزارة التربية والتعليم قرارها بتسليم ملفات الطلاب والطالبات لهم، ومنع حجزها لعدم اكتمال تسديد الرسوم”. ويضيف: “هناك كثير من أولياء الأمور يماطلون في التسديد، وفي نهاية العام نحجز ملف وشهادة الطالب أو الطالبة، وهذا ما يجبرهم على التسديد”، ويؤكد: “الآن وجدت هذه الفئة من أولياء الأمور العذر والداعم للمماطلة والتسويف في التسديد”.