نسمع كثيرا عن الحب، ونتوهم أكثر أننا نحب ونتيه في غاباته.. نقطف من أزهارها الجميلة، ندعي ذلك وقد تغنى به العشاق والشعراء، ولكننا ما عرفناه حقيقة ولا تذوقنا ثماره الواقعية. يبحث بعض الناس عن امتلاك للمحبوب وعن السرور بلفتاته وعطاياه، وهو يعتقد أن هذا هو الحب. كلا، إن الحب عطاء وفعل قبل أن يكون قولا، هو أن تعطف ولا تنتظر المقابل، مع وجود الإحساس باللذة والسعادة بهذا العطاء. وهناك (عدا حب الأمومة) حب الغريزة فإنه بين حالات ثلاث: الحالة الأولى: أن تحب إنسانا ولا تدري ما شعوره نحوك فستعيش في الحزن والألم واللذة معا وأنت على أمل تترقب اليوم الذي يبادلك المشاعر، وحين يفعل يتبدد ذلك المزيج العاطفي، وحينها يتوقف عندك الاستمتاع بذلك الإحساس. الحالة الثانية: أن تحب من لا يحبك، فتهب الغالي والنفيس وربما أذللت نفسك لتحصل على رضاه وأنت في يأس ورجاء وحزن وأمل.. وأيضا هذه الأحاسيس لذة لك تعيشها، وفي كلتا الحالتين السعادة والإحساس باللذة مؤقتان إن تمكنت منها ربما توقفت تلك العاطفة المتأججة لديك؛ لتبدأ البحث من جديد عن بديل يعيد تلك النشوة والأحاسيس؛ فالإنسان يبحث عن السعادة دائما وأثناء بحثه عن السعادة فهو في سعادة وهو لا يدري، فإن أحس بامتلاكها لم تعد هي غايته. الحالة الثالثة: حين تهب حبك وقلبك وجوانحك لمن وهبها لك فتلك اللذة الحقيقية وتلك هي السعادة وتلك هي الجنة الدنيوية التي من لم يدخلها في الدنيا لم يدخلها في الآخرة، حين تقف أمام الملك الجليل بكل خضوع تناجيه فتحس بقربه منك تحدثه بحبك وتحس بإجابته لك فقد وصلت إلى اللذة الحقيقية، لكنها دون ألم، دموع قد غسلت ذنوبك، وسعادتك قد أذابت همومك.. وخضوعك قد زادك عزا وطهارة، ودعاؤك قد وهبك نقاء وصفاء، فهذه سعادة المحبة ولذتها، من وجدها تشبث بها ولم ولن يبحث عن غيرها أبدا، ومن أحس بها تيقن ألا لذة ولا حبورا ولا رضا ولا توفيقا ولا أماني في الحياة غير استمرارها. فهنيئا لمن حصل عليها.