الهلال يصنع المدربين.. هذه العباراة المشحونة بالخيلاء، والمطلقة بلا حسابات في فضاء التعصب الأزرق، ليست جديدة وليست من عندي، بل هي قديمة ويعرفها الوسط الرياضي حق المعرفة، فهي من أدبيات الكتابة الهلالية الملزمة لهم جميعا، كلما خسر الهلال، أو ألغى عقد مدرب، أو اعتذر مدرب عن تدريب الهلال.. من يعرفوا أبجديات كرة القدم، كانوا يمرون على هذه العبارة مرور المشفقين، ويمدون أمامها، وأمام مثيلاتها من العبارات المتعالية، مساحات التسامح؛ لمعرفتهم بمنطلقاتها، وكانوا يدركون أن الهلال، حتى وهو في أحسن حالاته، لم يكن يأتي بالمدربين لمجرد تطبيق (برستيج) معين ليتناغم مع المظهر الشكلي، لفرق كرة القدم حول العالم، ولعل زلزال كوزمين، الذي ضرب الكيان الهلالي، وما زالت هزاته الارتدادية تتواصل؛ تعطي مدلولات مؤكدة أن ليس كل ما يكتب يصدَّق.. لا أحد يستطيع أن ينكر أن الهلال، بعد رحيل كوزمين، أصيب بالانهيار الفني، وهذا الانهيار، لا يقلل من القيمة الفنية للاعبي الهلال، ولا يمنح كوزمين صفة المدرب المعجزة، لكن تعاطي الهلاليين، إدارة وإعلاما، مع مشكلة كوزمين، هو ما أحدث هذا التدهور، فالإدارة الهلالية تبدو أنها، وعلى غير العادة، قد تبنت بالكامل رؤى الإعلام الهلالي، فقد تعاملت مع إلغاء عقد كوزمين، على أنه مؤمراة، المراد منها تدمير الهلال، وزرعت في نفوس لاعبي الهلال، أن الهلال يبدأ وينتهي بكوزمين، والأخطر من ذلك، تكريس فكرة المؤامرة (قرارات وحكاما وأحداثا عابرة)، التي بدأت تتغلل في البيت الهلالي، وبدأت آثارها تنهش في الجسد الهلالي، والتي كان الهلاليون وإلى وقت قريب يعيبون على جارهم، هذا المعتقد، بل إنهم كانوا يسخرون من هذا التوجه غير العقلاني، وكانوا يقولون لجيرانهم: “أصلحوا حال فريقكم، ولا تعلقوا فشلكم على مشجب المؤامرة المُتخيل..!!”. من يتابع حال الفريق الهلالي، وتعاطي إدارة الهلال مع أزماته الفنية، يدرك أن الهلال، بدأ السير في دروب لم يرتدها من قبل، فالتوتر واستعداء الآخر، يبدوان واضحين في الميدان وخارج الميدان، بل حتى الخطاب الإعلامي الهلالي الرسمي، أصيب بحالة من التشنج غير المعهود في مسيرة الهلال، وإن لم تتم مراجعة الأمور فإن الهلال قد يفقد الاتجاه، ولا يمكن لأي مدرب في هذه الحالة أن يعيد صناعة الهلال الذي كان يستطيع أي مدربٍ متمكن أن يصنع له فريقا لا يحرج إدارته بالبحث عن أعذار في أقبية المؤامرة، كما يحدث الآن..!! الهلاليون بحاجة إلى مراجعة عقلانية شاملة، تعيد الأمور إلى نصابها، وتعيد الهلال إلى مكانته، بدلا من الذهاب خلف السراب.