طالعت في صحيفة “شمس” الغراء، التي عودتنا دائما على السبق الصحافي يوم 10 / 4 / 2009 العدد 1185 القضية المميزة بعنوان (انتحار ناعم في بيت عنيف)، وجذبتني حتى أعماق أعماقي، وشدت انتباهي بقوة إليها، نظرا إلى ما حملته من مادة جديرة بالانتباه، وهي لم تكن وليدة اللحظة، لكنه حدث يتكرر كثيرا، ولا يزال، ولم يجد من يقرؤه، ويفهمه ويستوعبه. الحزن فطر قلبي على ما يحدث داخل كثير من البيوت التي لم يطلع عليها أحد، وكلها أمور تجعل الإنسان يتساءل: لماذا كل هذا العنف وكل هذا الموت وكل هذا الحزن؟.. ولماذا نقتل أبناءنا بأيدينا، نسلبهم الروح الغالية من أجسادهم التي تساعدهم على الموت، ونفرش لهم درب الحياة ظلاما، ونجعلهم يتيهون في كل واد، ويتخبطون ويضيعون، ويسقطون في حبائله ونجعلهم يفضلون الموت على الحياة بيننا؟ أبناؤنا وفلذات أكبادنا، وقلوبنا التي تمشي على الأرض، أفراحنا وأحزاننا، آمالنا وأحلامنا في الحياة يفضلون الانتحار.. لماذا أيها الآباء وأيتها الأمهات؟.. اسألوا أنفسكم: لماذا انتحر ابنكم أو ابنتكم وهما في ربيع العمر؟.. ما الذي جعلهما يختاران هذا الطريق المظلم قبل الأوان، ويضعان حدا لتلك الحياة التي يعيشانها في كنفكم بالموت؟ ولا خيار لكي يختاره الإنسان، حتى يقضي على نفسه به؛ فالنفس أغلى من كل شيء في الوجود، قد يضحي الإنسان بكل شيء إلا نفسه فهو غير مستعد بالتضحية بها، إذن من يقتل نفسه، أو ينتحر، فهو مقتول أصلا منذ زمن بعيد، وما ذلك الانتحار إلا نهاية لمسرحية كلها قهر وكبت، فأراد بعد كل هذا العناء أن يستريح. إذن تعالوا نتعرف على خيوط ذلك الجسد المنتحر؛ لنغوص في أعماقه، ولنرى كيف عاش وكيف مات وكيف بقي موته مأساة تحز قلوبنا؟ ساعدوهم على حب الحياة، وعلموهم أن الحياة غالية، وأن الوقت بحاجة إليهم، لكي يكونوا حاضرين، علموهم لكي يكبروا في عيون الآخرين ويرفعوا رؤوسكم، ويحملوا بشرف أسماءكم بعد رحيلكم.. حاولوا أن تغرسوا في نفوسهم المحبة والإخاء، وأن تربطوا عرى المحبة بينهم، وأن تجعلوهم نور ذلك البيت، سراجا يضيء لكم الحياة.. فيا أيها الآباء والأمهات أبناؤكم أمانة في أعناقكم فاحملوا تلك الأمانة بإخلاص ولا تضيعوها؛ فإنها كبيرة وعقاب إهمالها أكبر، ويومئذ لا ينفع الندم.