المكان: دائرة حكومية ما، وهي المكان الجيد لاختبار مدى صبرك وقدرتك على عد الوجوه التي تعبر الممرات جيئة وذهابا، والتي تشاركك فصول حكايتك وتقاسم معك عناء وقتك المهدور بانتظار حضور صاحب ذلك التوقيع النهائي، الذي تجبرك البيروقراطية على تخطيه ك(خطوة) أخيرة، تنعم بعدها بانتهاء الحكاية التي تدعى معاملة بذات المكان. تجعلك الساعات الثلاث من الانتظار كائنا ثرثارا يمارس سرد الحواديت على من يجلس بجانبه، فمن تنظيرك السياسي لمشكلات الشرق الأوسط مرورا بتحليلك الرياضي لمباراة البارحة وصولا لتذمرك من حالة الطقس المتقلبة، تنتقل بعدها سريعا لتحكي له عن سخطك من تأخر موظف حكومي عن عمله كل هذا الوقت! وكيف يمكن لذلك أن يعطل مصالح العشرات تحت ظرف مزاجيته بالحضور وعن إمكانية خضوعه للمحاسبة، قبل أن ينبهك من بجانبك أن من تنتظره ليس موظفا للأرشيف بل المدير نفسه. ترتسم ابتسامة الواثق على وجهك، مبينا له عدم مبالاتك بالأمر، وأن مركزه لا يهم في حال تقصيره، وأن من يهمل لا بد أن يعاقب ما دمنا نطمح ل.. يقاطعك قائلا: هل تريد لمعاملتك الوصول لبر الأمان؟ تهز رأسك متمنيا ذلك؛ ليردف: إذن دع أمنياتك جانبا؛ فحديثك الجميل هذا قد يؤخر معاملتك التي تشبه مجلدا ضخما مزيدا من الأيام نكاية باحتجاجك.. حينها يصرخ أحدهم من بعيد على رفيقه الملتصق بالباب: هاه.. وصل؟ و(هاه.. وصل): هو تعبير تفاؤلي يمني به بعض المترقبين معك أنفسهم بوصول المدير.. صوت خطوات قادمة.. يفتح الباب، تتطاول الرقاب ويتزاحم المراجعون كمجموعة من اللاعبين داخل خط (الستة ياردة) قبيل تنفيذ ركلة الزاوية. يخرج من يبدو أنه لم يبتسم في حياته ليقول جملته الشهيرة: المدير عنده اجتماع.. راجعونا بكرة..!