يبدو أن الحضارة التي وصل إليها المجتمع السعودي خلال العقود السابقة لم تستطع القضاء على بعض الممارسات السلبية، التي كرستها العادات والتقاليد مئات السنين، فعادة قصر الفتاة للزواج من ابن عمها (تعرف شعبيا بالربط) لا تزال عاملة في بعض الأوساط السعودية، إضافة إلى إرغام الفتاة على الزواج من دون موافقتها، إما لمصالح مادية أو اجتماعية يرجوها الولي. هذه العادات التي تعتبر انتقاصا من أهلية الأنثى التي كفل الإسلام لها حق اختيار الزوج بالموافقة تؤدي في كثير من الحالات إلى نتائج سلبية، أقلها ضررا الطلاق في سن مبكرة؛ مما يقلل من فرصها في الزواج؛ عوضا عن تحطيم أحلامها كأنثى تحلم بفارس الأحلام الذي يأخذها إلى عالم السعادة والأسرة المستقرة بالأطفال والعشرة الطيبة والحب والاحترام. تعنُّت أبوي توضح (س.م)، أن عناد والدها وخوفه من اهتزاز صورته والتقليل من قدره أمام أفراد قبيلته، كلها عوامل تسببت في تعاستها، وتضيف: "تقدم ابن عمي بطلب الزواج مني ووافق والدي دون استشارتي، على الرغم من علمه هو وابن عمي وكل العائلة بعدم رغبتي في الزواج بابن عمي"، وعلى الرغم من حرصها بالتصريح إليهم بذلك؛ تحسبا لليوم المشؤوم، إلا أنها تفاجأت بأن والدها وقف ضدها في الأمر، وتقول: "عاملني بكل قسوة لدرجة أنني تعرضت للضرب في الكثير من النقاشات التي بيني وبينه؛ بسبب عدم رغبتي في ابن عمي؛ متذرعا بالإحراج والفضيحة، ويصر "أنتِ مالك إلا ولد عمك"، عندها فضلت توسيط ابنة عمي (شقيقة خطيبي) الذي أوضح أنه على علم ولهذا السبب فهو مصر على الزواج"، ولم يقتصر الأمر عليها إذ طرد شقيقها من المنزل بسبب وقوفه إلى جانبها، وبعد أقل من سنة من زواجها تم الطلاق، وتشير: "عندما يراني والدي في المنزل يشعر بالندم، خصوصا بعد أن تسبب زوجي في فصلي من عملي وأصبحت الآن مطلقة وعاطلة عن العمل، لكن الحمد لله والدي لم يستخدم هذا الأمر مع شقيقاتي الأصغر مني سنا، وهن الآن متزوجات ويشعرن بسعادة مع أزواجهن". من جانبها تقول (ج.و): "تزوجت من ابن عمي بالطريقة التقليدية، إذ عرفت منذ طفولتي أن البنت لابن عمها، وبعد أن تزوجته اكتشفت أنه شخص غير ما كنت أتخيل؛ فأصبح كل منا يعيش بمفرده في المنزل نفسه؛ لاختلافنا في التفكير والاهتمامات، رغم تظاهرنا أمام عائلتينا، فهو يعلم بعدم حبي له وأنا كذلك ولا يستطيع تطليقي؛ لأنه يخجل من والدي وأشقائي، وهكذا انتهت حياتي مجرد جسد في منزل مهمتي الطبخ وإنجاب الأولاد دون الشعور بالسعادة"، وتختم: "سامح الله والدي الذي أجبرني رغم معرفته بعدم رغبتي في ابن عمي". نسبة طلاق عالية وفي هذا الخصوص تقول هيفاء خالد صاحبة مبادرة الطلاق السعودي: إنها من خلال عملها في مبادرة الطلاق وجدت أن "نسبة الطلاق في صفوف الفتيات اللائي لم يتجاوزن العقد الثاني من أعمارهن عالية جدا، تصل إلى حد الرعب"، وتردف: "عندما ندرس الأمر نجد أن السبب يعود إلى الإكراه، سواء كان على الزواج من قريب أو أحد أفراد العائلة أو غيرهم، وحتى لو حدث الطلاق فإن الطلاق العاطفي يكون موجودا بينهما وأن الحياة الزوجية منتهية قبل أن تبدأ وتنتهي بالطلاق، وتضيف: "لكي نكون منصفين فإن البنت ليست وحدها من تعاني هذا الأمر، بل الرجل أيضا بعد أن يختار له والده أو والدته فتاة لا يرغب فيها، لكنه يوافق عليها إكراما لهما"، وتشير إلى أن الطلاق عندما يحدث بين قريبين من عائلة واحدة فإنه يخلف وراءه مشكلات كثيرة بين أطراف العائلة؛ "لذا فأنا أفضل أن يكون خيار الزواج بيد الفتاة وحدها، ولا تتخذه إلا بعد تفكير عميق ولنتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة في أمورنا، سواء في ترك حرية الاختيار للفتاة أو من خلال معرفة سيرة الرسول الذي نجد أن جميع زوجاته لسن قريباته، ويجب على كل ولي أمر أن يتقي الله في أمر زواج ابنته من ابن عمها أو من غيره ولا يجبرها على ذلك. الإسلام يحمي الحقوق من جانبه يقول البروفسور سليمان بن قاسم العيد رئيس قسم الثقافة الإسلامية وعضو هيئة تدريس بجامعة الملك سعود: "إن الإسلام جاء بكرامة الأفراد وحماية الحقوق للرجال والنساء، ومن الحقوق التي جاء بها الإسلام للمرأة فيما يتعلق بموافقتها على الزوج قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حتى تُستأمر ولا الْبِكْرُ حتى تُسْتَأْذَنَ وَإِذْنُهَا الصُّمُوتُ) رواه ابن ماجه، وهذا يدل على عدم جواز إجبار الفتاة على الزواج من خاطب لا ترضى به، ومن ناحية ثانية فقد جاء حث الشارع الحكيم على تزويج صاحب الدين والخلق؛ لأنه هو المؤمل منه القيام بحقوق المرأة وكرامتها"، ويؤكد "أن إجبار الفتاة على الزواج ممن لا ترضاه مناف للمودة والرحمة التي هي الأصل في العلاقة بين الزوجين، ومن ناحية أخرى فإنه يغلب على هذا النوع من الزواج الفشل حين تجبر فيه الفتاة على الزواج ممن لا ترضاه فوق كونه مخالفا للشريعة الإسلامية، والذي يسلك هذا المسلك بدافع عصبية أو طمع دنيوي أو نحو ذلك آثم ظالم.. آثم لمخالفة الشريعة، وظالم للفتاة في إكراهها.