على ذمة صحيفة المدينة، فقد أثار مشروع مكافحة التحرش الجنسي في بيئة العمل خلافات في مجلس الشورى. المشروع الذي أشيع عن سحبه مؤخرا، لقي معارضة شديدة استنادا إلى أنه "مناف للأعراف"، وقد يكون "تشجيعا على الاختلاط". ولست أدري أي العذرين متهاوٍ أكثر؛ إذ لا تُسنّ القوانين ولا تشرّع الأنظمة إلا في مواجهة كل مستقبح مناف للأعراف معارض لحفظ النفس والعرض والمال والدين والعقل. وإذا ما كان التحرش الجنسي في بيئة العمل المختلطة (الموجودة فعلا في المستشفيات وغيرها) منافيا للعرف – كما رأى بعض الأعضاء - فمن باب أولى أن تتحرك الجهود لتشريع القوانين في مواجهته حفظا للعرض كما يقرر الشارع الحكيم. ورغم أن الحديث عن كون المشروع تشجيعا على الاختلاط ليس إلا تجاوزا غريبا للواقع، إلا أننا حتى لو سلَّمنا جدلا أن بيئة العمل المختلطة ضرب من الخيال واحتمال غير وارد؛ فليس ذلك مبررا لتجاهل إقرار مشروع، لأجيال مقبلة ربما تقدّر لنا إنجازه. شخصيا، تعجبني كثيرا مساجلات أهل المنطق ونقاشاتهم المطولة في مسائل ربما كانت في ذلك الحين مستحيلة الحدوث. لكن المتأخرين أفادوا من هذه المسائل التي لم تكن على زمن نقاشها وتدوينها إلا ترفا علميا. والخلاصة أن بيئة العمل المختلطة موجودة – شئنا أم دسسنا رؤوسنا في التراب - ومن الحصافة أن تشرع القوانين التي تؤطر هذه البيئة بدلا من ترك الحبال على الجرار والارتهان إلى شعارات فارغة لم تعد تسمن ولا تغني من جوع.