أثير جدل بين علماء الصيدلة والأعشاب حول نعناع المدينة (الحبق) العشبة التي اعتاد السعوديون وبعض العرب على استخدامها كمشروب إما بمفرده وإما بوضع القليل منه على الشاي. وكان الجدل قائما بسبب ما أثير على لسان الدكتور جابر القحطاني من أن الحبق خطير ومسمم ويجب تجنبه للمرأة الحامل؛ إذ يحوي مادة سمية، وذلك في إحدى الصحف المحلية، ثم عاد في قناة الإخبارية ليقول إن جميع أنواع النعانيع مفيدة بما فيها حبق المدينة. هذا الموقف المتناقض شرحه الدكتور جابر، وحسمته وزارة الصحة في بيان لها. يقول الدكتور محمد عبدالله الطفيل (رئيس قسم الأدوية والأعشاب والسموم في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث): “منذ سنوات ومختبرنا يجري دراسات على مجموعة من أنواع النعناع إذ وجد في نعناع المدينة (الحبق) مادة تسمى (Pulegone) البيليجون، وهي مادة سامة وخطيرة جدا وتتحول منها مواد سامة للجسم مثل (الكريزول) الذي قد يسبب سرطان الكبد في حالة الإفراط”. وأوضح الدكتور الطفيل أن شرب كميات بسيطة جدا على فترات زمنية متباعدة لا يؤثر على الإنسان الصحيح، وأنه هو شخصيا ليس لديه مانع في شرب فنجال من حبق المدينة في حالة تقديمه له في أي مناسبة، إلا أنه أكد أن هذا الفنجال قد يكون ذا مضاعفات لا يستهان بها لدى مرضى الكبد ولدى النساء الحوامل. وحول ما نسب إلى بحثه من أنه لا يعد بحثا علميا مكتملا، وأن في نشره بهذه الطريقة إساءة للجهود البحثية في السعودية، أجاب الطفيل بأن ما قام به هو عبارة عن تحليل مخبري وليس بحثا علميا حتى يوصف بغير المكتمل، مضيفا أنه ليس من مسؤولياته في القسم إجراء البحوث وإنما إجراء دراسات مخبرية فقط، وأن التجارب والبحوث هي من اختصاص جهات أخرى. واستغرب الطفيل الهجوم القوي الذي مورس ضده من قبل المختصين وبالتحديد د. جابر القحطاني ود. فهد الخضيري، وقال: “إنه كان من الأفضل لنا كعلماء أن نجري مزيدا من التجارب والورش العلمية بدلا من المهاترات على وسائل الإعلام”، مشيرا إلى أن معلومات د. جابر القحطاني هي معلومات نظرية بحتة ولم تخضع للتجربة والتدقيق بعكس معلوماته هو. ويضيف الدكتور الطفيل “مع احترامي الشديد للدكتور جابر (وهو معلمي في الجامعة وأكن له كل احترام) إلا أنني أجد تناقضا في حديثه؛ إذ صرح في (الإخبارية) بأن جميع أنواع النعناع مفيدة بما فيها حبق المدينة رغم أنه قبل أيام من خروجه صرح في إحدى الصحف بأن نعناع المدينة خطير ومسمم ويجب تجنبه للمرأة الحامل”. وعندما توجهنا إليه بإثبات موضوع الخلاف وهو هل مادة البيليجون مادة مسرطنة أم لا؟ أجاب بأن لديه ما يثبت أنها مسرطنة، ويكفي أن تكون مسممة كما ذكر الدكتور جابر لاتخاذ الإجراءات اللازمة من قبل الجهات المسؤولة (وزارة الصحة). وقال: “أنا ذكرت أن الإفراط من تناوله قد يسبب سرطان الكبد، وأتمنى أن يُسأل في ذلك أطباء مختصون في الكبد”. ونفى الطفيل ما نُسب إليه من إعلان بحثه بأنه للظهور الإعلامي، وقال: “لو كان ذلك صحيحا لقبلت بالظهور على (الإخبارية)، ولكن منعني من ذلك عدم تكامل أرضية الحوار العلمي كون أحد الضيوف غير مختص”، مشيرا إلى الدكتور فهد الخضيري. وذكر أنه كان بإمكانه الظهور في مناسبات كثيرة سابقة إعلاميا؛ إذ إن مختبره هو ما اكتشف قضية المياه المعبأة وقضايا أخرى وكذلك هو المختبر الوحيد في السعودية الحاصل على شهادة الآيزو، وكل هذا لم يستخدمه للظهور الإعلامي. مشيرا إلى أن ما يقوم به من إعلان مثل هذه المواد واجب مهني ووطني. اختصاصي كبد: لا تعليق الدكتور محمد القويز (اختصاصي الكبد بمستشفى الملك فيصل التخصصي) رفض الإجابة عن السؤال بخصوص مادة البيليجون ومدى تسببها في سرطان الكبد؛ لأنه يرى أن الموضوع خرج عن المناقشة العلمية إلى التصعيد والمهاترة الإعلامية. موضحا أن هناك فرقا بين الاكتشافات المخبرية لمادة ما وبين تأثير هذه المادة المباشر على الجسم والصحة. تبرئة (البيليجون) من السرطان وفي سياق آخر ذكر الدكتور فهد الخضيري أن تصريح الدكتور الطفيل حول مادة البيليجون يجب أن يكون مدعما بأدلة وبراهين، مضيفا أنه اطلع على منشورة لمنظمة الصحة العالمية ذُكر فيها أن المادة مسممة فقط ولم تذكر أنها مسببة لأي نوع من أنواع السرطان، وذكر أنه تم عمل تجارب على مجموعة من الحيوانات في 90 يوما، ولم تسجل أي حالة سرطان. وأنهى الدكتور الخضيري حديثه بأن ما نُسب إلى الدكتور الطفيل لا يمثل مستشفى الملك فيصل التخصصي وإنما يمثل وجهة نظره الخاصة. ليس هناك تناقض ويؤكد الدكتور جابر القحطاني (أستاذ علم العقاقير واختصاصي الأعشاب) في مكالمة هاتفية أنه ليس هناك تناقض؛ فما وصفه بالسام والخطير في مقالته المنشورة ليس نعناع المدينة (الحبق) (ذا الأوراق الرمحية) الذي تحدث عنه الدكتور الطفيل وإنما هو نوع من النعناع يسمى بنعناع (بوليو) الذي يسمى علميا باسم Mentha pulegium وهذا النوع نقل إليَّ أنه يزرع في المدينةالمنورة، ويحتوي هذا النوع على زيت طيار، يشكل مركب البيليجون ما بين 60 إلى 90 % منه، ويعتبر هذا المعدل مرتفعا جدا؛ لذلك نصحت في آخر مقالتي بالابتعاد عن تناول نعناع (بوليو) نهائيا والاستغناء عنه بأنواع النعناع الأخرى التي تعد مفيدة بمركباتها ومقاومة للسرطان بما فيها نعناع المدينة المعروف، الذي يعرف علميا باسم Mentha piperita. وعن كيفية التفريق بين هذه الأنواع من قبل الإنسان العادي قال القحطاني إنه وصف في المقالة المنشورة شكل نعناع (بوليو) بأنه عبارة عن نبات عشبي معمر ذي رائحة عطرية قوية يصل ارتفاعه إلى 40 سم، له أوراق بيضاوية مسننة الحواف ودوارات من الأزهار ذات اللون البنفسجي وله جذر زاحف وساقه مربعة ومجوفة. ثم أردف الدكتور قائلا: “إن كل أنواع النعناع التي تنبت في السعودية مفيدة وغير ضارة”. استخدام منذ مئات السنين وعند الباعة المتجولين في شوارع الرياض توجد لافتة كبيرة كتب عليها (نعناع المدينة)، جذبت قليلا من الزبائن. أحد هؤلاء الزبائن (أبو سلطان) يشير إلى أنه سمع عن ضرر الحبق من خلال المجالس؛ ولذلك امتنع عن شرائه، لكنه الآن يشتريه بعد أن سمع من جهة أخرى أنه لا يسبب السرطان، وإنما نوع آخر من الحبق غير المعروف ب(نعناع المدينة). أما البائع وليد أحمد فيقول: “إن حركة البيع تأثرت كثيرا بتصريح الدكتور الطفيل، حتى أن الناس أصبحوا يتوقفون عنده لا للشراء وإنما لثنيه عن البيع”. وذكر أن الناس لم يفرقوا بين الحبق الذي أثير حوله التصريح ونعناع المدينة، وإنما عمموا على جميع منتجات المدينة من النعناع والشاي الأخضر. ويذكر مرافقه أبو عبدالعزيز أنه من أهل المدينة، وأنه هو وأهله وأقاربه يشربون حبق المدينة منذ عشرات السنين، ولم يسمعوا بأن أحدا أُصيب بالسرطان بسببه ولا أن امرأة أجهضت حملها بسببه. وعاد وليد ليقول: “إن ما تعلمناه من آبائنا أن مستخلص الزيت الطيار للحبق هو المسمم، كما ذكر ذلك القحطاني، أما الحبق نفسه فهذا ليس بصحيح، وعلى من قال إن حبق المدينة يسبب السرطان أن يثبت ذلك بدليل مادي”. ويذكر وليد أن سكان المدينة توجسوا في البداية، ولكنهم بعد ذلك عادوا لما كانوا عليه من استخدام الحبق والنعناع؛ نظرا إلى أنهم حسبوا أن سبب السرطان في البداية هو مركب صناعي من خلال عمليات الزراعة، ولكن عندما سمعوا أن المركب طبيعي وموجود أصلا في الحبق لم يصدقوا هذا الحديث لأنهم يتناولونه منذ مئات السنين، ولم يسمعوا بذلك أبدا.