يراودني سؤال كثيرا ما تنوعت في دواخلي الإجابة عنه وتشعبت مداخله وتفسيراته ﺃلا وهو: هل تحمل الرسالة الإلكترونية ذات الشجن والوله ومشاعر الغبطة والفرح نفس الدلالات التي كانت تحملها الرسالة القديمة المخطوطة بخط اليد، تلك الرسالة التي ينثر فيها المرسل خلجات نفسه وتعرجاتها عبر خطوط كثيرا ما تفقد رشدها واتزانها وتظهر قلقة هائمة؛ فتصل رسالة ما بين السطور إلى الجانﺐ الآخر؛ فيقلقه ذلك متجاهلا مضمون الرسالة وخبرها، هذا إذا ﺃضفنا عطر الورقة الذي ينساب ﺃريجا هادئا تسبح معه المشاعر والأحلام الوردية ترسم في الأفق الممتد تباشير الغد، ورسالة الأمس يشتم فيها عذابات الوجد والهيام ومصداقية الحرف ومحتواه مثلما يشتم فيها ضيق الصدر والقلق وعرق التعﺐ والسهر؛ فينشط فيها غمار الوصل الأندلسي شاء المرسول ﺃم ﺃبى، هذا وللساعي البريدي جانﺐ من الحﺐ إذ يظهر في لحظة تجل غير معهودة بزيه المميز وابتسامته العريضة؛ فيظل في الذاكرة حينا، وقديما قالوا إن الرسائل الورقية المكتوبة بالحبر العادي التي عادة ما تمر عبر ﺃكثر من وسيط (منهم بالطبع ساعي البريد) حتى تصل إلى صاحبها المقصود غالبا ما تثير القلق طالما ﺃنها سوف تبحر إلى عوالم ﺃخرى وعواقﺐ غير معروفة، حيث يكثر فيها المرسل من عذاباته من خلال وصف تفصيلي لكل ما يجيش بخاطره من مشاعر؛ فتجده يطوي المسافات والفيافي بقلمه ولا يستقر من الترحال العذب إلا مع الحرف الأخير منها لتبدﺃ الرسالة رحلة جديدة من الأسفار والترحال حتى تصل محطتها الأخيرة عند فاتح الظرف الأثير الذي يضطر قبل ﺃن يفتحها لتلطيفها بر يقه حتى يستطيع ﺃن يلين الصمغ الذي يحميها من الفتح دون ﺃن يدري ﺃنه لعق بريقه هذا. طابعة تحمل تاريخا خالدا وسيرة مفتوحة تتناقلها التذكارات عبر ﺃصقاع العالم وهو ما دفع علماء البحث الجنائي لأن يعلقوا آمالهم العريضة على هذا الريق خاصة عند الكشف على مرسل الرسالة وذلك من خلال فحص الريق العالق بظهر الطابعة.