الانهيارات أصابت قواعد البنية الاقتصادية وخلخلت أركان مؤسساتها المالية وعطبت مفاصل المجتمعات التي انتهجت نهجها وقوضت قواعد العقيدة التي آمنت بحرية رأس المال وإطلاق يده العابثة لتطول كل ما تصل إليه إيمانا بضرورة إلزام العالم بإلغاء حدوده وفتح أسواقه؛ ففاض فقراؤه أفرادا وجماعات، بغية تعزيز دور الأغنياء. إذن هي الفوضى والتسيب وانعدام الرقابة واضمحلال المسؤولية إزاء مختلف الأنشطة الاقتصادية التي لو تتبعناها بنفس المنهجية والدروس والتحليل على الساحة الثقافية لوجدنا مظاهر التردي ومشاهد الانحدار التي يبصرها كل مراقب للمنتج الثقافي العربي؛ فقد ترشح هذا الانحدار وأصاب مفاصله بالألم. إنه الإنتاج المنطقي لحالتين: أولاهما غياب رقابة النقد الأزلي الموضوعي الذي ينحاز للنص منقبا وممحصا، والثانية تتمثل في انعدام مسؤولية صاحب النص الذي بات لا يحسب حسابا لسلطة ذاتية أو موضوعية. لقد ترتب على هذا الكم الضخم من الرشح الذي لا ينتسب للثقافة تأسيس ثقافة هزيلة القوام ضحلة المحتوى، فإلى متى تواصل الجهات التي يفترض أن تعنى بالثقافة صمتها الأزلي إزاء أسلحة الخراب الشامل التي تمتد بجرأة متناهية إلى ثقافتنا وصنوف إبداعنا؟