ينقسم المنسيون في ثلاجات الموتى إلى ثلاث فئات لكل منها مسبباتها؛ فالأولى منها تضم الموتى من المقيمين، ممّن يرفض ذووهم دفنهم في مقار إقاماتهم ويفضلون إعادتهم إلى ﺃوطانهم، ولكن هذا التفضيل من قبلهم لا يدعمه تحرك جاد لاستعادة جثمان ميتهم، خصوصا لدى العوائل الفقيرة التي يكلفها نقل الجثمان مبالغ طائلة؛ فهم من جانﺐ يرفضون دفن موتاهم، ومن جانﺐ آخر لا يستطيعون نقلهم لدفنهم في مواطنهم. الفئة الثانية من المنسيين هم من توفوا نتيجة حوادث جنائية (جرائم قتل ﺃو اعتداء ﺃو انتحار ﺃو غيرها) وهذه الحالات قد يتطلﺐ التحقيق فيها، في بعض الأوضاع الاستثنائية، وقتا طويلا، ومعظم جثث الموتى الذين ما زالت ﺃحداث وفاتهم على صلة بقضايا تنظر في المحاكم، يؤجل دفنهم لحين البت في حالاتهم قضائيا، ومن ثم يصدر الإذن بدفن الميت. ﺃما الفئة الثالثة فهم ممن لم يسمح ذووهم بدفنهم لاشتباههم في ﺃسباب وفاة ميتهم، وهم لأجل ذلك يرفضون تسلم الجثامين، حتى تحقيق غايات معينة لديهم كتشريح الجثة ﺃو فحصها بشكل دقيق عبر الطﺐ الشرعي؛ وهو الأمر الذي لا يتم إلا بموجﺐ تفويض رسمي، وفي حال تعارضت الرؤية الرسمية مع رؤية ذوي المتوفى من ناحية الحاجة إلى التشريح من عدمها، فإن ذوي الميت يرفضون تسلم الجثة لحين تحقق مطلبهم، وقد تبقى المداولات في هذا الشأن بين الأسرة والمستشفى شهورا طويلة وﺃحيانا سنوات. هذه الأسباب التي قد تكون مقنعة للوهلة الأولى، يمكن تفنيدها في الواقع؛ فهي لا تفتقر إلى الحلول، ولكن حلولها تنتظر الأخذ بها والتحرك بشأنها. ففيما يخص ا لمقيمين يمكن الاتفاق مع سفارات البلدان التي يقيم مواطنوها بكثرة في البلد على وضع حل نهائي لجثث الموتى منهم. فإن كان لدى ذوي المتوفى رغبة جازمة بنقل جثة ميتهم، فيجﺐ إلزامهم بالمبادرة إلى ذلك خلال وقت معين ومحدد، ويكون التواصل مع سفارات بلد ا نهم، كجهة ر سمية تتحمل مسؤولية مواطنيها الموتى كما تفعل مع الأحياء. وهذه المهلة ستدفع المتهاونين إلى التحرك. وحتى من وجهة النظر المنفعية، يكلف الجثمان في ثلاجة الموتى ﺃكثر من تكلفة نقله إلى ذويه، وهذا حل آخر يمكن ﺃن تنظر فيه وزارة الصحة؛ ﺃي المبادرة بنقل جثث الموتى المقيمين على حساب الحكومة المحلية. وﺃما الحالات التي يكون فيها الميت طرفا في جريمة منظورة لدى القضاء، فإن المحكمة على ﺃي حال لن تحتاج إلى جثة الميت إلا لفحصها عبر الطبيﺐ الشرعي وتشريحها واستنباط الأدلة منها، وهذا ﺃمر لا يتطلﺐ إبقاء الجثة في الثلاجة على مدى دراسة المحكمة للقضية. فمن المعلوم ﺃن تقرير الطﺐ الشرعي في الحالات الجنائية يعدّ بشكل تلقائي، و يمكن ﺃ ن يكو ن تشر يح الجثة ﺃيضا، ﺃمرا تلقائيا في هذه الحالات؛ فمن جهة، كلما كان موعد التشريح قريبا من موعد الوفاة كانت نتائجه ﺃكثر دقة، ومن جهة ثانية، سيتيح ذلك لذوي المتوفى ﺃن يدفنوا بعد ﺃيام قليلة من الوفاة، حيث