نأى زويد بن محيا المطيري (65 عاما)، بنفسه وﺃسرته عن صخﺐ المدينة وضوضائها، واختار له مكانا منعزلا؛ ليقيم فيه خيمته الصغيرة، قائلا: "اخترت هذا المكان الصحراوي الذي يبعد عن عفيف 100 كيلومتر شمالا، بالقرب من قرية الجامعية، واتخذته مسكنا لي منذ زمن طويل"، ووضع شبك ﺃغنامه في واد قريﺐ منه، يذهﺐ إليه ﺃحيانا على قدميه، وﺃحيانا ﺃخرى على سيارته (وانيت غمارتين)، وقد يحدث ﺃن يذهﺐ إلى المحافظة فتتولى امرﺃته هذه المهمة، ولا سيما ﺃنها تجيد قيادة السيارة. ويصف المطيري هذا الوادي، الذي كان مسرحا للحادثة التي تعتبر الأولى من نوعها في المنطقة: "هذا الوادي صغير ولم يكن ذا خطورة منذ ﺃن عرفناه، وقد سالت السيول في هذا الوادي كثيرا، لكن هذه المرة كانت فريدة من نوعها"! . "حدث هذا الساعة الرابعة والربع عصرا الثلاثاء الماضي"، بهذه العبارة بدﺃ المطيري سرد تفاصيل مأساة ابنته ذات السنوات الست، تعابير وجهه، ونبرة صوته، كانت مؤشرا صادقا لعظم المأساة التي تعتصر قلﺐ هذا الكهل، ورغم تلعثمه بادئ الأمر، إلا ﺃن ابن محيا ﺃخذ نفسا عميقا، ثم ﺃكمل ما بدﺃ به: "في تلك الساعة هطلت الأمطار؛ ففرحنا واستبشرنا خيرا، ولا سيما ﺃننا بدو، رعاة غنم ننتفع من هذه الأمطار وتنتفع ماشيتنا ﺃيضا، فحمدنا اﷲ على هذا الرجع! ، لكن ما لبثنا حتى اشتد وابل المطر فأخذنا نردد (اللهم حولينا ولا علينا)، فلما اشتد ﺃكثر ﺃدركنا ﺃنها الكارثة لا محالة والحمد ﷲ على كل حال.". كان زويد بن محيا غائبا عن بيته لقضاء بعض شؤونه، وكما هو المعتاد في ذلك الوقت من النهار، الأم وطفلاها عند الأغنام، يتولون شؤونها حتى آخر النهار.. "ﺃخذت الطفلة تلعﺐ مع صغار الماشية تحت قطرات المطر، تبتعد ﺃحيانا هناك، ثم تعود هنا، فلما رﺃت الأم ﺃن المطر بدﺃ يزداد، نادتها؛ لتركﺐ معها ومع ﺃخيها في السيارة، فلما ركبت، ﺃدارت الأم محرك السيارة وانطلقت قاصدة البيت ومعها ابناها (الطفلة، وﺃخوها)، وما هي إلا ﺃمتار قليلة قطعتها حتى علقت السيارة في الوادي، خشيت الأم على الطفلين، فأخرجتهما من السيارة، وﺃمرتهما ﺃن يذهبا سيرا على الأقدام إلى مرتفع قريﺐ، حاولت ﺃن تبث فيهما الأمان وﺃن ما يحدث لا يشكل خطرا، فذهبا يخترقان السيل، فلما توسطاه انجرفت قدم الطفلة، حاول ﺃخوها، الذي يكبرها بثلاث سنوات، ﺃن يمسك بها، وحاولت هي ﺃن تتشبث به، لكن كان تيار السيل ﺃقوى منهما، فأفلتت يدها، وغابت عن ناظري ﺃمها وﺃخيها، ﺃدركت الأم التي تحاول إخراج السيارة ﺃن هناك مشكلة حين سمعت صرخات الصغير، فهرعت إليهما، محاولة الإنقاذ، لكن فاتتها الطفلة، وكاد الطفل ﺃن ينجرف معها، فتداركته الأم، وعادت ﺃدراجها به إلى بر الأمان، بعد ﺃن خشيت الهلكة "! . بعد ﺃن سكت ابن زويد للحظات ﺃكمل حديثه: "جلست الأم وطفلها بالقرب من الوادي، يرفعان ﺃكفهما بالضراعة إلى، اﷲ ويبحثان هنا وهناك، ويرفعان ﺃصواتهما باسمها؛ علها تجيﺐ عليهما، ظلا على هذا الحال حتى التاسعة ليلا! ، في هذا الوقت مر بعض إخوتها بالبيت فلما وجدوه خاليا ﺃدركوا ﺃن هناك خطبا ما، حال دون رجوعهم