كيف تنمو الأفكار؟ وكيف تنتقل؟ تساؤلات يطرحها الكثيرون من أجل معرفة السر الكامن خلف تغير الأفكار، وانقلاب البعض من حالة مسالمة إلى أخرى معادية لفكرة أو جماعة، وتكون هذه المشكلة أكثر تأثيرا، عندما يتعلق التغيير بفكر كان يتسم بالمحافظة أو المطابقة لما يعتنقه مجتمع هذا الشخص أو ذاك. وتبرز ظاهرة تغير أفكار العديد من الشباب نحو فكر ضال مثلا، أو فكر يساري متطرف أيضا، لتضع الأسئلة وتبحث عن الإجابات، فلماذا تغير هذا الشاب وأصبح فكره عدوانيا تجاه مجتمعه مثلا؟ ولماذا تغير فكر الآخر وأصبح عدوانيا تجاه دينه؟ من هنا تظهر أهمية الحديث عن الفكر وأبعاده، والتأثيرات الإيجابية والسلبية التي تطغى عليه، فتحوله من حالة إلى أخرى، ومن شكل إلى آخر، لكن هذا التغيير يتراوح بين حالتين إما إيجابيا أو سلبيا، وبالتالي يصبح من المهم جدا معرفة أبعاد الفكر ومراحل تطوره، حتى يمكن لأي كان أن يكيف فكره، فيكون في الجانب الإيجابي أكثر منه في السلبي. الخبير في الاتصال البشري الدكتور فيصل خالد الغريب يؤكد أن المرء لا يحافظ على أفكاره بل هي التي تحافظ على نفسها في داخله، فالفكرة جزئية تتجاذب مع جزئيات أخرى داخل عقل وذاكرة الإنسان، وما نسميه محافظة، هو في الواقع عملية تجاذب أشبه ما تكون بالمغناطيس، فالكرة الأكبر تجذب الأصغر لتكوين تكتل عام يسميه البعض تطورا، ومن خلال هذه الأفكار يتم إدراك الأشياء، فهي عبارة عن معيار يعود الإنسان إليه للتأكد من صحة سلوكه تجاه شيء ما أيا كان ذلك الشيء. وحول تفسير التغير الفكري للأفراد ومسبباته، يقول الغريب «يعتمد ذلك على أنظمته العقلية، وعادة لا يعرف المرء نظامه بل يتغير بشكل تلقائي، ويسمي ذلك البعض «اقتناعا» وهو لا يدري ما الذي أقنعه على وجه التحديد، إلا أن الاتصال البشري يكشف سر ذلك، إلا أن مسببات التغيير في المستوى الفكري تخضع للمعطيات النسبية التالية: - المحتوى الفكري: من حيث المرونة وتماسك جزئياته، وهذا يحتاج إلى تحليل متخصص. - البناء التربوي: وهذا له تأثير بالغ من التهيئة التقنية للتعامل مع الأفكار وطريقة معالجتها في السياق التربوي. - المجتمع: يخضع الأمر هنا لنظام الشخص العقلي وبرنامج تحليل البينات لديه ذهنيا في سياق عام ضمن التفاعل المجتمعي من حوله، وهذا مؤثر على البنية الفكرية. - التعليم: التعليم التلقيني، يعني القدرة على التأثير على الفكر الفردي، التعليم التفاعلي وفتح باب التعددية والخيارات يساعد على نموذج فكري أكثر قدرة على التمييز». ويشير خبير الاتصال البشري إلى أن عملية تغيير الأفكار هي عملية تقنية حيادية مجردة لا تخضع لمعيار الإيجابية والسلبية، لأنها أداء فطري أصيل في التركيب العصبي النفسي في الذات البشرية، إلا أن التغيير في سياق التطوير والابتكار والمزج والمعالجة أمر حميد لأنه من معطيات القدرة البشرية على التكييف والتجانس مع البيئة المحيطة، وعليه فإنه وبالبساطة المطلقة حق التفكير يعطيك حق التغيير دون أي اعتبار لأي شيء بوجه عام. ويضيف «تتوفر فرضية محافظة المرء على أفكاره في حال تطابق الأدلة وتوفر الإيجابية في نتائج التبني لهذا الفكر أو ذاك، وهو ما نسميه التطابق الواقعي، أي تماثل الفكر للواقع المدرك بالحواس، ويشترك مع الفكر العاطفة والسلوك، فإن وجد تجانسا وانسجاما وإن كان ما يقوم به خطأ محضا، فإنه سيحافظ على هذا الأداء الفكري السلوكي العاطفي ما بقيت النتائج متطابقة». التشدد سبب مهم ولأن المتغير هو الثابت الوحيد في الوجود، فإن المفكر والباحث الإسلامي ياسر فتحي يشير إلى أن تطور الفكر أو تغيره ليس معيبا على طول الخط، وإنما الأمر يتعلق بالاتجاه الذي اتجه إليه، والتطور الفكري مطلوب لكل شخص، لكن المشكلة الكبرى في هذا التحول الفكري، لو كانت المبادئ التي يعتنقها الإنسان تغيرت أيضا، وكذلك المعتقدات التي يؤمن بها، هنا تكون مشكلة تغير الفكر كبيرة. ويتابع فتحي «لعلي أوضح أن مشكلة تغير الأفكار عند عدد من الأفراد الذين اشتهروا بالالتزام بالإسلام والتمسك بالهوية الإسلامية والاعتزاز بالإسلام ووصل بعضهم حد التشدد أو الغلو المنهي عنه شرعا بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» لو سألنا لماذا تغير فكرهم، سنجد أن الإجابة واضحة جدا، في كون هؤلاء لم يكونوا على منهج واضح بين، وإنما اعتنقوا فكرة وتوجهوا بها حتى وصلوا إلى أقصى اليمين، ثم لم يجدوا شيئا فأرادوا أن يجربوا أقصى اليسار علهم يجدون شيئا». تغير طبيعي ويستطرد فنحي في تتبع التغير «كما يجب ألا نغفل أن التحول أيا كان لابد له سبب، من الأسباب المهمة في التحول الفكري الشاذ أن هذه الشخصية أرادت أن تحوز شيئا من الاهتمام، وهذا واقع يمكن أن نقول حياله إن الإعلام يفتح أبوابه لمن انسلخ عن جلده واعتنق فكرا ليبراليا أو غيره من الأفكار، بينما لو كان ذا فكر إسلامي أو محافظ على الأقل، فلن تجد له حضورا، وبالتالي يكون هذا الأمر ذريعة ليحاول أن يقترب من فكر أو يبتعد عن فكر آخر، كما يجب ألا نغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فتقول له عائشة: يا رسول الله، تكثر أن تدعو بهذا، فهل تخاف؟ قال: وما يؤمنني يا عائشة، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه؟ وربما كان من أسباب الانقلاب الذي يحدث لبعض هؤلاء الناس أن يمر بتجربة مريرة في أي اتجاه كان، من تعامل وظلم وغير ذلك، أو أن يكون ممن تعرض لعقوبة في بعض الدول كأن يكون قد تعرض للسجن ولمعاملة معينة في السجن تجعله يخرج وهو لا يطيق أن يعود إلى اتجاهه الذي كان عليه. ويمكن أن ينطبق عليه قول الله عز وجل «ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين» الحج 11، فربما لم يكن إيمانه حقيقيا في المقام الأول وإن كان هذا أمرا لا نستطيع أن نجزم به».