للشباب حقوق وعليهم واجبات تجاه الوطن، فهم ثروة بلادنا الحقيقية وعماد مستقبلها، وركيزة نهضتها، ودرعها الواقي الذي تزود به عن حياضها، وتحافظ به عن مكتسباتها وسيادتها، وهم قاطرة اللحاق بالمستقبل الزاهر الذي نسعى جاهدين إلى تحقيقه، وامتدادا لماض مشرف نفاخر به بين الأمم والشعوب، وحاضر ننعم بخيراته ونتمسك باستمراره استقراره. الشباب دائما يرمز لمرحلة القوة والبناء، وما أحوجنا إلى القوة التي تحمي والبناء الذي يشيد في عالم تتقاذفه أمواج الصراعات والحروب، وتدمر مقدرات الشعوب، إما وراء أوهام وسراب خادع كما يتهيأ لدول تسعى إلى تحقيق مكاسب على أشلاء شعوبها وشعوب الدول الأخرى، أو جريا وراء نشر أفكار ضالة، مضللة، مشوشة، وخادعة يحسبها الظمآن ماء وما هي إلا أكاذيب اختلقوها ليصدقوها، ويتخذونها مطية للحكم استنادا إلى شرعية وهمية ينسبونها إلى الدين الذي هو منها براء، أو باسم الطائفية التي نهى الإسلام عنها، فالدين الإسلامي في جوهره يقوم على التوحيد والعدل والمساواة، وجاء ليمقت التعصب الجاهلي ويرفضه ويحرر الإنسان من التبعية والعبودية إلا لله سبحانه وتعالى، فليس في الإسلام كهنوتية، أو من يمنحون صكوك الغفران، أو ينوبون عن الله في الأرض، أو يقولون نحن أهل الله وخاصته. لذلك فإن هؤلاء من أصحاب الفكر الشعوبي الذي يحمل في باطنه التفرقة، وفي ظاهره الدفاع عن الأقليات مذهبيا، أو عرقيا، أو قوميا، ما يقولون إلا كذبا، لأنهم هم أنفسهم يمارسون ما ينهون عنه، ويفعلون علنا وجهارا كل ألوان التنكيل والقتل والاضطهاد ضد كل من يخالفهم في المذهب، أو العرق، أو الديانة، بل ضد أبناء مذهبهم الذين يدعون للتسامح والمساواة. هذا ما تفعله إيران وتحاول أن تسوقه في دول الخليج العربي وفي المنطقة برمتها، محاولة في ذلك دس السم في العسل، وتخصيص ميزانيات ضخمة لوسائل إعلام، وكوادر بشرية مدربة ومتخصصة من أجل التسلل إلى عقول شباب الأمة، وتحريض كل أتباع مذهبها ضد دولهم، والضغط عليهم فكريا ودينيا للزج بهم في أتون التمرد ضد أنظمتهم ظنا منها ومن أجهزتها في طهران ومن يدور في فلكها خارج إيران أنهم قادرون على ذلك، ولكن هذه أضغاث أحلام، وأنها محاولات سيكون مصيرها الفشل وسلة نفايات التاريخ، لأن فئة الشباب المفعمة بالقوة، والحماس، لديها وعي كامل بالمخاطر المحدقة بالأوطان، ولديها قناعات راسخة بأن مستقبل أوطانهم هو مستقبلهم، وما تحققه دولهم من مكاسب فهو لهم، وقبل كل ذلك فهم على دراية ومعرفة بأمور دينهم، وما يحمله الإسلام من عقيدة ومعاملات وفقه وأصول للعلاقات الإنسانية سواء فيما بين المسلمين أنفسهم أو بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، فالإسلام رسم لأتباعه خريطة حياة كاملة لتعاليم أمور الدين والدنيا، ولم يترك الدين الخاتم شاردة ولا واردة إلا ووضع لها حدودها بدقة متناهية، فهو الدين الذي دعا إلى التعايش مع الآخر مهما كان معتقده، أو تفكيره، بل دعا أتباعه إلى عدم إكراه الآخرين على الدخول في الإسلام عنوة، رغم ذلك ما تمارسه إيران وتحاول غرسه في عقول شباب المسلمين يتنافى مع أبسط مبادئ الدين الإسلامي، وتعمل على تهييج الطوائف الإسلامية بعضها ضد بعض، بل تتبنى من المؤامرات ما تفرق به بين أبناء الوطن الواحد الذين يدينون بدين واحد، يتكلمون، لغة واحدة، يعيشون فوق أرض واحدة، وتربطهم أواصر القربى والتلاحم منذ مئات السنين، مستغلة أحداثا مؤسفة يشهدها العالم لتؤجج نار الفتنة وتوقد صراع المذاهب الذي لم يعرفه الإسلام قط إلا في عهد من يطلقون على أنفسهم قادة الثورة الإسلامية في طهران، وهم أنفسهم يقمعون بلا هوادة الإيرانيين من أصول غير فارسية سواء كانوا عربا أو تركمانا أو أكرادا أو غير ذلك، وهذا ما ينطبق على من يخالفهم في المذهب، فلا شعار يعلو على شعارهم ويستخدمون في فرضه شتى صنوف القمع والاضطهاد، ووصل الأمر إلى اعتقال رؤساء ومسؤولين إيرانيين سابقين على مستوى عال لمجرد أنهم نادوا بالإصلاح مثل خاتمي وكروبي وغيرهما ممن كانوا في موقع المسؤولية من قبل، ناهيك عما تنقله وسائل الإعلام كثيرا عن قمع الإيرانيين في مناسبات مختلفة وعلى مرأى ومسمع من العالم، ويعتقدون الاختلاف معهم خيانة، ولكن يعتبرون ما يحدث في الدول الأخرى من خراب ودمار انتصارا للثورة الإسلامية الذين نصبوا أنفسهم حماة لها في جميع بقاع العالم، وكأنهم هم فقط المسلمون وما عداهم ليسوا بمسلمين. ما تعيشه إيران هو حالة مرضية، وظاهرة نرجسية، وادعاء بامتلاك الحقيقة، وتعال مذموم، وشعوبية مقيتة، تستخدم في فرضها والاتجار بها أساليب ميكافيلية واضحة للعيان ما عادت تنطلي على أحد في أي مكان، ونحن في المملكة العربية السعودية لدينا شباب واع، ونقصد بالشباب كل شباب الوطن، فلا نفرق ولم نفرق يوما بين سنة وشيعة، أو بين مواطن ومقيم، أو بين عربي وأجنبي، أو مسلم وغير مسلم، وعلى هذا جبلنا منذ القدم فأرض المملكة تستقبل حجاجا ومعتمرين يتكلمون لغات شتى ولهم ملامح متعددة ويأتون من كل أصقاع الأرض وعلى مدار العام ونتعامل معه جميعا على أنهم ضيوف الرحمن نقدم لهم كل ما نستطيعه من خدمات حبا وتقربا لله، وليس منة أو تفضلا وعلى هذا سوف نستمر بإذن الله. ستظل المملكة العربية السعودية قوية بجميع أبنائها، الذين يعيشون في جميع مناطقها من أقصاها إلى أقصاها، دون تفرقة، تحت راية التوحيد الخفاقة التي لن تعرف التنكيس أبدا بإذن الله تعالى بتلاحم أبناء الشعب ومؤازرتهم لحكامنا وأولي أمرنا ما دمنا نحكم بشرع الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وما دمنا نسعى إلى الإصلاح والتحديث والتجديد طبقا لاحتياجاتنا وما هو مفيد لشعبنا، وأن نظل دوما نقرأ مفردات مسيرتنا، نتدخل لتصحيح الوجهة كلما اقتضى الأمر ذلك دون خجل أو مواربة ما دام الهدف رفعة وطننا وسلامة بلادنا وخدمة شبابنا وأجيالنا القادمة، فالتصحيح والإصلاح من سنة الحياة، بل هذا ما دعا إليه الإسلام عندما فتح باب الاجتهاد، واعتبر من اجتهد وأخطأ له أجر ومن اجتهد وأصاب له أجران، وكما قال نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام «أنتم أعلم بأمور دنياكم». عود على بدء، شبابنا ثروتنا ولن نفرط فيها أبدا، ولن نترك شبابنا لقمة سائغة للفاسدين والمفسدين، الضالين المضلين، ولكن علينا أن نقدم المزيد لهؤلاء الشباب فلهم حقوق، وأعتقد أن الإعلام المحلي مقصر في دوره تجاه الشباب ولم يعطهم ما يستحقون، ولم يقدم لهم ما يأملون، وهذا خطأ وخطر في آن واحد، فكما تقول النظريات العلمية الإناء الفارغ يملؤه الهواء، وبالقياس عندما لا نقدم للشباب ما يملأ فكرهم ويغذي عقلهم فسوف تتسرب إليهم الأفكار المدسوسة التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، وعليه فالإعلام المحلي بكل ألوانه مطالب بإيجاد مساحة للشباب، ووزارات الدولة وأجهزتها مدعوة للاهتمام بالشباب فإلى جانب الرياضة البدنية تحتاج هذه الفئة إلى الرياضة الذهنية، الفكرية، والترويحية أيضا، وأعتقد أن لدينا القدرة عبر الجامعات، والمدارس وغيرها على تنظيم الفعاليات ذات الفائدة للاستفادة من طاقات الشباب وإبداعاتهم، وتوظيفها بما يخدم الوطن، كما أن البنوك الوطنية وشركات القطاع الخاص الكبرى عليها دور لا يقل أهمية عن دور الدولة في مساعدة الشباب وفتح فرص العمل والدراسة أمامهم. في النهاية.. إذا أحسنا التعامل مع شبابنا أحسنا التعامل مع مستقبل الوطن .