المشهد يتكرر سنويا، لقد أصبح محفوظا عن ظهر قلب تقريبا، هذا المسلسل كان فاشلا، والآخر كان تهريجا، والثالث لم ينجح في عكس صورة مجتمعنا، وفي كل الأحوال يبقى التنظير الانطباعي عنصرا ثابتا، في الوقت الذي لا يوجد فيه معيار حقيقي لنقد الأعمال الدرامية وهو ما يعني ببساطة تكرار الخطأ المنهجي نفسه كل مرة! كثيرون ما زالوا يتحايلون على حقيقة أن الدراما المحلية لا تختلف كثيرا عن أشكال النتاج الثقافي المفتقر إلى مكونات التأسيس المتصلة فعليا بمشاريع لها سياقاتها التاريخية الواضحة وسماتها الفنية المميزة، ولهذا فإن أي تعامل مع هذه الأعمال خارج هذه الرؤية هو إمعان في تحميلها ما لا تحتمل. الأمر لا يتعلق فقط بفنانين محدودي الثقافة في مجالهم، ولا بمشاريع تفتقد التصور التأسيسي، وإنما كذلك بظهور حركة نقدية لا تقل بدائية عن الأعمال التي تتناولها، وتقوم في أغلب حالاتها على إصدار أحكام لا تستند إلى معيار واضح، فالحديث مثلا عن فشل مسلسل معين لا يطرح رؤية معينة حول كيفية النجاح، وإن فعل ذلك فإنه يفعله ضمن دائرته الذوقية النسبية، وانطلاقا من مفهومه غير المرتكز في كثير من الأحيان على ثقافة معرفية أو مهنية في مجال الفن الدرامي وأدواته وقواعده. في أحيان أخرى، يجنح الناقد المفترض إلى استقراء الجانب الرسالي للعمل في بناء رؤيته ويجعل منها مقياسا مطلقا ووحيدا لفشله أو نجاحه، في حين أن فكرة كهذه لا تمثل سوى جزء فقط من الصورة العامة للمنتج الفني أو الثقافي، كما أنه ليس ثمة اتفاق على مستوى المثالية التي يجب أن يبديها العمل، في الوقت الذي يطلب منه كذلك أن يكون متجردا في معالجة معطيات واقعية في إطار فني متكامل العناصر، وغير مرتهن لمواقف أو تصورات مسبقة. الأعمال الدرامية المحلية لا تزال تدور في فلك ارتجالية استهلاكية لها تاريخ صلاحيتها المحدد والقصير الأجل غالبا، كما أنها، وعلى مدى عقود، لم تنجح في التأسيس لنفسها كمشروع واضح المعالم والتأثير ضمن النسيج الثقافي والمجتمعي، ولهذا فإن نقدها جاء متماهيا مع هذه الحقيقة، مشتتا بين الانطباعية والأدلجة بل وحتى تصفية الحسابات، كل ما يتطلبه الأمر هو أن نكون واقعيين أولا في مشاهدة هذه الأعمال، وأن لا نبني توقعاتنا منها بمعزل عن معرفتنا ببئر الدراما المحلية وغطائها، ولا عن إدراكنا لحقيقة أننا في زمن الأعمال سريعة التحضير، والصالحة للاستخدام مرة واحدة فقط!