أثار خطاب رئيس الحكومة التونسية الباجي قائد السبسي الأخير جدلا لدى بعض السياسيين، حيث اعتبروا أنه لم يقدم أجوبة مقنعة أو حلولا للوضع المضطرب الراهن، فيما قال معارضون إن بقايا النظام السابق يثيرون الفوضى في البلاد. وشهدت الأيام الأخيرة تظاهرات وأحداث شغب وعنف كثيرة في عدة مدن، حيث تعرضت مراكز شرطة لهجوم من قبل مجهولين ما أدى إلى إصابة العشرات. «هذه الأحداث أصبحت دورية، بمعنى أنه في نهاية كل أسبوع ثمة حدث ما في البلاد، ويبدو أن هذه الأحداث مبرمجة من قبل أطراف معينة، لأنه في كل مرة تقع الأحداث ولا يتم التحقيق فيها». قال السبسي في خطابه إلى الشعب التونسي إن «ما تشهده البلاد هذه الأيام من عودة إلى أعمال العنف والاحتجاجات والاعتصامات تقف وراءها أطراف سياسية هدفها إفشال العملية الانتخابية». وأكد أن الحكومة ستواصل دورها حتى موعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي ستجرى في موعدها المحدد، 23 أكتوبر المقبل. وبعد مرور أكثر من ستة أشهر على ثورة 14 يناير، لا تزال تونس تتلمس الخطى لضبط العملية السياسية نحو الانتقال الديمقراطي في ظل تحديات كبيرة، حسب تقرير لوكالة الأنباء الكويتية. وفي حصاد ما تحقق من نتائج بسقوط النظام ورحيل الرئيس السابق وبروز بوادر الحرية، فإن للثورة انعكاسات سلبية تنسج وضعا صعبا لاسيما على المستويين الأمني والاجتماعي، ما جعل التونسيين يخشون عودة «دولة البوليس». وعلى المستوى الأمني شهدت البلاد عدة اضطرابات منها هروب آلاف المساجين في أنحاء مختلفة وحالات من الفوضى والعنف والقتل والاعتداءات التي شهدتها المناطق الجنوبية إلى جانب الأوضاع المضطربة في العاصمة. ومن أبرز المظاهر الأمنية خلال الأشهر الأخيرة سقوط متظاهرين معظمهم من الشباب في عدة مدن برصاص القناصة واعتصام رجال الأمن بعد أن أصبحوا موضع اتهام فضلا عن فرار مساجين واقتتال مجموعات من الأهالي لأسباب وخلفيات عشائرية. ولعل الأخطر في هذا الصدد ما يمكن اعتباره عنصر التدخل الخارجي ومحاولة إدخال البلبلة ساهمت فيه أطراف أجنبية حسب بيانات رسمية أفادت بوجود أشخاص مسلحين قادمين من دول مجاورة. إلا أن هذا الوضع الدقيق لا يحجب بروز بعض الانفراج في الأفق في مستوى المناخ الاجتماعي في المدة الأخيرة حيث رصدت بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية تدرجا نحو التحسن والانفراج بانخفاض عدد الإضرابات بنسبة 13 % وعدد المؤسسات المعنية بهذه الإضرابات بنسبة 11 % وانخفاض عدد الأيام الضائعة بنسبة 45 %. ورغم خطورة هذه التحديات والتجاذبات، إلا أنها حالة صحية ومشجعة لضمان الانتقال الديمقراطي الذي تنشده البلاد ويتكرس شيئا فشيئا في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع خلال الأشهر القليلة المقبلة. وربما بدأت تونس تكتشف أن «ثورة الياسمين» والآمال العريضة المطلوبة تتطلب الجهد الكبير كون الشعب بمختلف أطيافه وشرائحه مسؤولا، كل حسب موقعه، عن صفحة جديدة بارزة في تاريخ بلاد «تمر بأوقات دقيقة للغاية». وفرضت تونس، أمس الأول، ولأجل غير مسمى حظرا للتجول في جميع أنحاء محافظة سيدي بوزيد بوسط البلاد بعد أن شهدت احتجاجات وأعمال عنف. وكانت شرارة الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي انطلقت من عاصمة هذه المحافظة، عندما أحرق البائع المتجول محمد البوعزيزي نفسه أمام مقر رئاستها احتجاجا على ظروفه المعيشية السيئة .