ذلك الطفل البريء ذو الأربعة أعوام، كان ضحية لموقف يتكرر كل يوم بين أعيننا، إننا نشاهد مئات الأطفال جميعهم أحمد الغامدي، لكن الفرق الوحيد الذي بينهم أن أحمد قتل مرة واحدة بينما البقية يقتلون كل يوم ويعودون إلى الحياة مكرهين. يعيشون حياة الأيتام بين أب يعاند أمهم ولا يعلم من شأنهم سوى سويعات يقضيها في المنزل، يدر عليهم المال أحيانا لكي يعوضهم حنان أمهم المفقود، ويحرمهم أحيانا أخرى لأنهم يذكرونه بتلك الزوجة الناشز والعلاقة الفاشلة والأسرار التي تسربت منها فصار حديث الجار والقريب. وبين زوجة أب متسلطة منتقمة من أبناء سلبوها حريتها في عقر دارها، وزادها مسؤولية دون وجه حق على حد تصورها فباتت تتصيد الفرص حتى تعود عروسا منفردة مع زوجها تسامره ليلا على فيلم سينمائي، أو تعرض عليه الغداء في مطعم صيني. كنت أسأل نفسي وأنا أتابع قصة أحمد بخوف وقلق، كيف تمنح أم فقدت الحياة دماغيا ابنها البار أربعة أشهر حضنا دافئا ورحما حاضنا من أجل إبقاء فلذة كبدها حيا، وهي قد ماتت أو شارفت على الموت، وكيف بنا نحن الأحياء الأصحاء أن نسلب أولادنا وبناتنا حق الحياة في كنف أمهاتهم، ولم نستطع أن نمنح ذا الأربعة أعوام حقه في الحياة. إحداهن تعالج أبناءها في مصحات نفسية من جراء حياتهم مع والدهم بعد الانفصال، وأخرى تذهب بهم إلى الشيوخ لأن الحالة تطورت وخرجت عن محور الطب النفسي، وثالثة لا تستطيع الصرف عليهم فتزجهم إلى أبيهم مجبرة مكرهة. فزوجة الأب ليست قاتلة أحمد وإنما والده هو السبب الرئيسي في ذلك، وقد يكون دم أحمد أصدق رسالة توجه إلى كل أب وأم شاءت الأقدار أن ينفصلا، ألا تستخدموا أبناءكم كأسلحة ضد بعضكم البعض. فمحاكمنا اكتظت بمئات الحالات المماثلة، خلع أو طلاق وحضانة ونفقة، وضحايا ذلك هم أحمد وإخوته الأحياء الأموات. نشيع بأولادنا في المحاكم، ونريق دماءهم في الملأ، وننتقم بهم في الطرف الآخر، ولا نبالي، وحينما نصل إلى قتلهم أمواتا نبكي ونثور، بينما نقتلهم أحياء كل يوم. فهلا اتعظنا وجففنا دموعهم النازفة بمناديل الأمومة والأبوة الصادقة.