يبدو أن كلمة السر التي يجتمع عليها جميع أحياء مدينة جدة بما فيها المنطقة التاريخية هي «الإهمال»، وباتت هذه الكلمة تتفشى داخل الأحياء والمناطق بشكل يثير الذعر بين أهالي الحي. ولم تسلم الأحياء الراقية، كما يطلق عليها أهلها، من هذا الإهمال حتى صار الواحد منهم لا يأبه بالمحيط الذي يعيش فيه، إنما ينحصر مستوى الاهتمام والمحافظة على المحيط الداخلي للمنزل. من هذا المنطلق، تشجعت سيدات حي الشاطئ في محاولة لتنظيف الحي الذي يقطنون فيه، وتوعية سكان المنطقة بأهمية النظافة، وعكس صورة إيجابية عن الحي، حيث شاركت في الفعالية قرابة 15 سيدة من سيدات الحي بالتعاون مع قياديات من جمعية البيئة السعودية بالإضافة إلى بلدية أمانة جدة، تراوح أعمارهن بين ال50-60 عاما، وخلال ساعتين فقط استطاعوا اقتلاع الأوساخ عن المكان للانتقال إلى المرحلة التالية من العمل. وتهدف الفكرة إلى تحويل المنطقة إلى حديقة عائلية، حسب اقتراح أهالي الحي، وينقسم العمل إلى ثلاث مراحل، في الأسبوع الأول تنظيف المنطقة من الأوساخ والشوائب، والمرحلة الثانية زراعة المنطقة بالأشجار التي تزين المكان، بالإضافة إلى أسبوع ثالث يختص بإضافة بعض الألعاب الرياضية التي تمكن أبناء المنطقة من ممارسة الرياضة التي يحبونها، بحيث تتحول المنطقة إلى الحديقة عائلية لأهل الحي. حي مهمل أكدت رئيسة مركز حي الشاطئ النسائي أميرة مشاط، أن الحي يعاني إهمالا واضحا خلال السنوات الماضية: «لنا سنوات ونحن نعاني الإهمال الموجود داخل الحي، ونحاول أن نحصل على مساعدات وتعاون مع بلدية جدة والمسؤولين، وللأسف الشديد لم نجد أي تجاوب منهم، وبعد أن تواصلنا مع الدكتورة ماجدة وجدنا كل الترحيب بفكرة الاهتمام بالحي والمساهمة في تنظيفه ووجدنا منهم تجاوبا شجعنا على الارتقاء بالحي إلى الأفضل». وأوضحت مشاط أن حي الشاطئ يعد أرقى أحياء مدينة جدة: «للأسف أرصفة الشوارع محطمة، وكثير من الحفريات منتشرة في الشوارع، بالإضافة إلى إلقاء مخلفات المباني بشكل عشوائي ما يجعل المكان غير صحي»، مؤكدة أن مجاري السيول غير متوافرة في الحي كما المجاري التي تغرق الحي في مستنقعات غير صحية. واعتبرت رئيسة مركز حي الشاطئ أن مشاركة سيدات الحي في العمل التطوعي كان بمثابة التعاون المشترك بين أهالي الحي والمجتمع المدني: «كانت بدايتنا في هذا العمل من أجل إيجاد حلول مبدئية لمشاكل الحي الكبيرة، ولن تتوقف أهدافنا في هذا الإطار، إنما نطمح أن ننشئ ممشى داخل الحي، بالإضافة إلى ملاعب لأطفال الحي تمكنهم من ممارسة الرياضة قريبا من رعاية الأهل»، مشيرة إلى أن مشاركة سيدات الحي في التنظيف تظهر للآخرين جديتنا في العمل ورغبتنا في التغيير إلى الأفضل. توعية الأهالي من جانب آخر أوضحت الدكتورة ماجدة أبوراس، نائب المدير التنفيذي المكلف وعضو مجلس إدارة جمعية البيئة السعودية، أن سياسة الجمعية الحالية تمثلت في تحفيز أهالي الحي للعمل على الاهتمام بالمنطقة التي يعيشون فيها: «إذا تواجدنا معهم في المرحلة الأولى لتنظيف الحي والاهتمام به، سينعكس هذا الاهتمام عند الأهالي أنفسهم وبالتالي سيقومون بهذا الدور لاحقا من غير أي محفزات خارجية حرصا على نظافة الحي، وهذا هو المطلوب». وأشارت أبوراس إلى أن الجمعية ستقيم محاضرات شهرية لأهالي الحي، بالإضافة إلى بعض البرامج عن التدوير. واعتبرت أبوراس أن البداية كانت من حي الشاطئ: «كل حي نبدأ العمل فيه لا بد أن ندرك استعداد أهالي الحي للعمل، فوجدنا استعدادا كبيرا من أهالي حي الشاطئ ما جعلنا نبدأ أنشطة الأحياء منه». وأكدت أبوراس أن المكان السيئ ساء بفعل بعض سكان الحي الذين حولوه إلى صورة مشوهة: «والهدف من العمل الذي نقوم به بالشراكة مع أهالي الحي ليس النظافة، فالبلديات ستقوم بدورها في التنظيف، إنما نهدف إلى ترسيخ فكرة الاهتمام والوعي بأهمية النظافة، ومن غير المعقول أن نجعل خلف كل مواطن عامل نظافة». إلى ذلك، بينت منسقة الشؤون الميدانية في جمعية البيئة السعودية زينب عبدالله عسيري، أن إقامة هذا المشروع جاء بعد حماس أهالي الحي: «اجتمعنا مع سيدات الحي وقررنا أن نقيم هذا المشروع كعمل ميداني يسهم في تغيير ملامح الحي والرقي به، كما سنقوم بتنظيف إحدى الزوايا التي سنحولها مستقبلا إلى متنزه لعائلات الحي، ووجدنا تفاعلا جيدا مع الفكرة، كما انضمت إلينا بعض السيدات اللاتي ينظر إليهن المجتمع على أنهن لا يقمن بفعل أي شيء، ومشاركتهن في عملية تنظيف الحي تعكس رغبتهن في العمل». وأكدت عسيري أن هذا العمل هو المرحلة الأولى وهو بمثابة توعية لأهالي الحي بضرورة الاهتمام بالمنطقة والمحافظة على نظافتها على مدار العام، كما ستنضم إليها بعد ذلك مراحل أخرى ستسهم في خلق أجواء طبيعية داخل كل حي .