قبل أسبوع لفظ طبيب أسنان عربي أنفاسه الأخيرة بمستشفى النور التخصصي بالعاصمة المقدسة، متأثرا بطلق ناري، أطلقه عليه أحد مرضاه المسنين داخل عيادته بمستوصف بحي بطحاء قريش في مكةالمكرمة. وقتها كانت أصابع الاتهام تشير إلى المعنى والمضمون اللذين دفعا المريض إلى العودة إلى المستوصف، ناويا الجريمة، مشهرا السلاح، ومصوبا إياه إلى الطبيب المعالج، قبل أن يطلق الرصاصة لتخترق صدره، وتعلن نهايته. ولكن في وقت مازالت الجهات المختصة تتحقق من الواقع العملي والفعلي للتعرف على المبررات والمسوغات التي دفعت المريض لارتكاب الجريمة، وجعلت الطبيب ضحية لهذه الجريمة، يأتي التساؤل: هل التساهل في دخول الجاني محيط عمل الطبيب دافع لتنفيذ هذه الجريمة؟، وأليس التساهل في توفير أو ربما تأهيل الحراسات الأمنية في محيط الكثير من المشروعات الخاصة والخدمية، دافعا لضعاف النفوس أو المرضى النفسيين لتنفيذ جرائم تنجب المزيد من الضحايا، وأليس من حلول مستقبلية تجعل مكان العمل العام محميا بصورة تمنع الاعتداء على الموظفين أو اعتداء الموظفين على المراجعين والعملاء؟، وأخيرا من المسؤول بشكل مباشر أو غير مباشر في مثل تلك الحوادث وما شابهها؟ «شمس» حاولت الوصول إلى تفاصيل الجريمة لتحليل أبعادها، وصولا إلى خريطة الطريق التي دفعت الجاني للاندفاع بشكل أو بآخر نحو المجني عليه لتنفيذ الجريمة. بداية الجريمة دخل شخص مجهول عيادة الطبيب بأحد المستوصفات ببطحاء قريش، وبادره بطلق ناري أصابه على إثره إصابة بالغة في الرقبة، قبل أن يفر هاربا، فيما أسعف الطبيب المصاب إلى مستشفى النور، لكنه فارق الحياة. وتابعت الأجهزة الأمنية الجاني، بعد الحصول على أوصافه، وتطويق موقع الجريمة، ليتم التوصل إلى معلومات تكشف هويته، إذ ذكرت معلومات أنه ربما يعاني حالة نفسية. هذه الجريمة فتحت الباب على مصراعيه للحديث حول أمن المنشآت الخاصة التي تفرض عليها الجهات المختصة توفير حراسات أمنية حفاظا على الممتلكات والأرواح، ولوضع حد أمام ضعاف النفوس في اختراق المقار الوظيفية لتنفيذ مآرب شيطانية. ولكن إذا كان لا يجزم أحد بإمكانية التعرف على دواخل العملاء أو المراجعين، فلماذا يمكن تحميل تلك الحراسات جانبا من المسؤولية؟ وهل لأفرادها القدرة على تفحص العابرين والتعرف على نواياهم في القتل أو التخريب أو حتى الاحتيال؟ إلا أن البعض مازال يرى في تدريب وتأهيل الحراسات الأمنية، جانبا مهما في الحفاظ على الأرواح، وذلك بالحد أو منع دخول أدوات الجريمة، مما يقلص الدافع للانتقام بأدوات قاتلة، وفي مقدمتها الأسلحة سواء النارية أو حتى البيضاء. وإذا كانت نظرة البعض تشدد على أهمية استعانة كافة المنشآت الخاصة بالحراسات الأمنية المدربة، سواء في المدارس الخاصة أو المستشفيات الخاصة أو أي جهة تتقبل العملاء، على الدرجة التي رفع فيها هؤلاء سقف المطالبة باشتراط الحراسات ضمن شروط الترخيص. لا إلزامية ويعترف عضو الغرفة التجارية والصناعية بمكةالمكرمة محمد القرشي بأن الغرفة لا تلزم المنشآت بالتعاقد مع شركات الحراسات الأمنية، لأن الأمر اختياري: «وأعتقد أن أكثر من 85 % من المنشآت والفنادق والأسواق التجارية، لا تعتمد على الحراسات الأمنية، على الرغم من أهميتها، ولكن يجب توفير تلك الحراسات والحماية الأمنية، حفاظا على الأرواح والممتلكات، سواء من سطو أو حالات اعتداء وغيرها لما يصل إلى جرائم قتل في بعض الأحيان». أين الأنظمة؟ ويشير عضو الغرفة التجارية والصناعية بمكةالمكرمة بسام فتيني أن سن أنظمة ترصد وتحدد هذه الآلية هو الأجدى: «ونوعا ما الخلاف لا يكون في التطبيق بقدر التدريب، ومدة تأهيل أفراد الحراسات على عملهم، ويجب توفير الحراسات الأمنية في جميع المنشآت، وينبغي على شركات الحراسات الأمنية الحرص على تدريب وتأهيل الأفراد الذين يعملون على حراسة المنشآت، كذلك رفع مستوى الرواتب حتى تتناسب والمخاطر المحتملة لهؤلاء الأفراد، مع وضع حوافز ومكافآت لمن يثبت تصديه للتجاوزات الأمنية، وغيرها». جاهزون للمهمة في البداية يصر مدير فرع شركة للحراسات الأمنية بمكةالمكرمة حاتم كتبي، على أنهم قادرون على تحمل المسؤولية كاملة، لما يترتب على الخدمات الأمنية التي تدعم المصالح الحكومية المهمة والقطاع الخاص: «حيث نقدم خدمات الحراسات الأمنية للمنشآت الصناعية، التجارية، التعليمية، الصحية، المجمعات السكنية، وغيرها من المنشآت، بالإضافة إلى تجهيز الأفراد من ناحية المظهر العام، والزي الرسمي، والأسلوب الشخصي، وتزويدهم بالمهمات الأمنية والتعليمات الخاصة لطبيعة المنشأة ومرتاديها والإلمام بالنماذج الرسمية المستخدمة لدى المنشأة، مثل التصاريح والإجراءات المتبعة للمنشأة، وكيفية التعامل مع الإدارة والعاملين والزوار». واعتبر كتبي حراس الأمن العاملين في شركته تحديدا: «مدربين على كيفية التعامل مع العصي، خاصة العصي الكهربائية أثناء وقوع أي اعتداء، بل هناك بعض الحراسات الأمنية مرخص لها من قبل وزارة الداخلية لاستعمال السلاح، وفق أولويات وشروط محددة، لما تتطلبه طبيعة العمل، وفي الضرورة القصوى». هذه مهماتنا وبين أنه يتم التعامل مع العملاء أو الزائرين بأفضل الطرق والأساليب التي تخدم مصلحة المنشأة، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الموقع ومحتوياته والعاملين فيه والزائرين له والمترددين عليه، من كافة الأخطار، وحسن معاملة مرتادي المنشأة، وتقديم الإرشادات والتوجيهات لهم لتفادي صدور أي مخالفات منهم، وكذلك قيام رجال الأمن بالتواصل مع مسؤولي إدارة الأمن والسلامة وكذلك الأجهزة الرسمية، ومراقبة منافذ الدخول والخروج، وإغلاق المنافذ المختلفة في المنشأة عند إدارة الأمن والسلامة, ومراقبة المنشأة من الخارج بوساطة الدورية الأمنية للتحقق من سلامة أسوارها الخارجية, ومراقبة الحرائق والعمل على مكافحتها قدر الإمكان، وإبلاغ الجهات المختصة حال ملاحظة أي حريق، وتنفيذ أي مهمات أمنية أخرى تراها إدارة الأمن والسلامة والتنسيق، والتبادل مع أجهزة الأمن العام، والحصول على أحدث النظم المتبعة في المملكة، والتدخل السريع في مجالات الطوارئ، وحالات الإخلاء والإنقاذ وتقديم الإسعافات الأولية. مدارسنا أولا ويرى المرشد الطلابي سعود المديني، أن حادثة الطبيب يجب ألا تجعلنا نشعر بالقلق، لأنها حالة فردية، إلا أن الحادثة تدفعنا إلى الحرص، خاصة في المدارس الأهلية على سبيل المثال، والتي تكتظ في مراحلها التعليمية المختلفة بأرواح غالية، على قلوب الجميع بين أبناء وزملاء، ولذا وجود حراسة أمنية جدير بالاهتمام عطفا على أحداث جرت خلال السنوات المتأخرة من اعتداء على من يعمل داخل مدارسنا من إداريين أو معلمين أو طلاب أو سرقات أجهزة ومقتنيات المدرسة: «بلا شك أن وجود حراسة أمنية مدربة في مدارسنا على اختلافها بنين وبنات، مطلب ضروري، فلم تعد الحراسة التقليدية تفي بالغرض، فنحن لا يمكن أن ندعي أن المدرسة تعيش في بيئة مثالية، فالمجتمع الذي يحيط بالمدرسة يحوي كثيرا من المعطيات التي توجب أخذ الحذر والحيطة، فالواجب علينا العمل على توفير جو تسوده الطمأنينة والسكينة داخل المدرسة، وذلك بتأمين حراسة أمنية مطمئنة مؤهلة ومدربة دائما، أي أثناء الدوام وبعد نهايته، أضف إلى ذلك أن ما يتوافر الآن في مدارسنا من مستلزمات تقنية حديثة غالية الثمن، ربما يجعلها مستهدفة من قبل ضعاف النفوس». الصفرية مستحيلة ويعتقد المشرف على الأمن والسلامة في جامعة أم القرى الدكتور طلال مندورة أنه مهما كثفنا المراقبة الأمنية لمنع الخروقات الأمنية المتعددة فلن نصل إلى نسبة صفر لهذه الخروقات الأمنية: «فالجامعة على سبيل المثال سواء الحكومية أو الأهلية، ليست ثكنة عسكرية أو منطقة حيوية كمصادر الطاقة والمياه وخلافه، إنما هي دار علم يقصدها من يشاء من رواد العلم وطلابه ومن يقدم هذه العلوم ويبحث فيها، وهناك ممن يرتادون هذه الدار من ضعاف النفوس التي ليس هدفهم تلقي العلم، إنما أغراض أخرى غير مشروعة، وقد يؤدي عدم التشديد في المراقبة، وفحص وتدقيق الداخلين والخارجين منها إلى إعطاء بعض الحرية لضعف النفوس في تنفيذ مآربهم، لكن ما يحدث في كل دور العلم في العالم، أنه لا يتم التشديد في الفحص والتدقيق، لكي لا يسبب مضايقات للعلماء وطلاب العلم وغيرهم، ولكن كما تحدث الخروقات الأمنية في أقوى الثكنات في العالم، يمكن أن تحدث هنا ولكن على نطاق ضيق جدا، ولا تتعدى المفقودات في قيمتها المئات مثل سرقة شاشة حاسب مثلا أو كابلات وخلافه. من هنا فإن وضع العديد من الضوابط الأمنية ومتطلبات السلامة بمنشآت الجامعة والسكنات التابعة لها كفيل بالحد من خروقات الجامعة». وكشف عن نية الجامعة تركيب نظام المراقبة بالكاميرات عالية الدقة والأداء والتي تسجل الصوت والحركة، وتقوم بعملية العد والإحصاء للداخلين والخارجين من وإلى الجامعة والمنشآت من السيارات والراجلين، بالإضافة إلى إحساس حراري بالحركة في أوقات الظلام والسكون، وفي حالات عدم توافر الإضاءات، ويشمل ذلك جميع مقرات الجامعة وفروعها .