أنا في حيرة من أبي، فهو كذاب، فماذا أفعل معه؟ والله إني أكره الجلسة إذا كان هو فيها من كثرة كذبه، فهو مشهور عند الناس بكثرة كذبه، مع العلم أنه إذا كانت الكذبة واضحة حلف بالله. وهو يحب أن يتباهى أمام الناس «عندي كذا، وعندي كذا»، ويكذب بالدين، فيقول زورا إن الشيخ الفلاني حلل كذا، أو حرم كذا. أرشدوني كيف أتعامل معه؟ إن أول ما أقوله لك هو أن والدك وبكل ما ذكرته فيه سيظل والدك، ولا يسقط حقه في البر والإحسان، بل إن في مثل حال أبيك تزداد الحاجة إلى الاهتمام به لأن لديه اختلالا نفسيا، وإن سؤالك وبحثك عن كيفية التعامل معه هو دليل صادق بإذن الله على اهتمامك به، وبرك له. الكذب من الأفعال المحرمة شرعا، وهو من الأمراض النفسية السلوكية التي يلجأ إليها الإنسان لعدة أسباب، منها إشباع نقص ما يشعر به في نفسه. ومن خلال سؤالك قد يكون والدك ممن يحبون الرياسة، وتصدر المجالس، ولم يحصل له ذلك فعليا، فأصبح يدعي ذلك، حتى صار عادة عنده، وأصبح سلوكا عميقا لديه ليس من السهل اجتثاثه منه مع إمكانية ذلك، ولكن يحتاج الأمر إلى صبر واستمرار. أقترح عليك بعض السلوكيات في التعامل مع أبيك؛ لعلها بإذن الله تخفف من ذلك السلوك غير الجيد: أولا: التجئ لله بالدعاء أن يصلحك ووالدك، وخص والدك بمزيد دعاء. ثانيا: يلجأ الإنسان إلى الكذب ليخفي جهله بأمر ما، فإذا علمه أصبح يتكلم فيه بكل ثقة، ولذلك احرص على تثقيف أبيك في المواضيع التي يحب أن يتباهى بها، فمثلا إذا كان يحب أن يتباهى بأن الشيخ فلانا قال كذا، فاحرص على تزويده بقصاصات فيها فتاوى مشايخ؛ حتى إذا تكلم أبرزها للناس ليؤكد كلامه، ويشبع ما يشعر به من نقص في الثقة، وبذلك يكون قال كلاما صادقا، وفي الوقت ذاته أشبع نفسه. ثانيا: إن من هو في حالة أبيك كما قلنا يحب الرياسة والصدارة، فإذا وضعناه في ذلك الموضع أمكننا تعديل سلوكه، وأذكر لك قصة جميلة عن فتيين رأيا رجلا كبيرا لا يحسن الوضوء، فتشاورا، فلو أمراه بإحسان الوضوء ربما قال إنني أتوضأ قبل ولادتكما، ولكنهما فكرا في حيلة رائعة، فذهبا إلى الرجل، وقالا له: يا عم احكم بيننا: وضوء مَن هو الصحيح؟ فتوضأ الأول، ثم توضأ الثاني، فلما رأى الرجل ذلك قال: والله لا أحسن ما تحسنانه. فبإمكانك أن تجلس معه على انفراد، وتطلب منه النصيحة بشأن أحسن السلوكيات في حياتك، وكيف تكون من أفضل الناس خلقا وسلوكا، وما أثر الصدق والكذب على حياتك، وهكذا. ثالثا: كما ذكرت فإنه يحلف إذا كانت الكذبة واضحة، وهذا يدل على أنه قد يحتد معك إذا ناقشته، ولذلك من الأسلم ألا تناقشه في أقواله في وجود أحد معكما، وإذا ناقشته فليكن ذلك على انفراد، وليكن أسلوبك غاية في التلطف، وإبداء المحبة له، وأنصح أيضا بأن تستشير اختصاصيا اجتماعيا، أو مدربا سلوكيا في منطقتك لتشرح له الوضع، فتضعون برنامجا سلوكيا متكاملا لمعالجة الوضع مع المتابعة معه، حتى يتحسن الوضع بإذن الله. إسكندر محمد هوساوي مستشار مجموعة صناع الحياة في مكة