الأمر الجيد أن البابليين انقرضوا قبل أن يتسنى لهم شراء نسخة من إحدى الصحف العربية ليشدهم عنوان خبر يقول: «مواطن يفقد محفظته في باص عمومي»، أو أن يصادفهم تحقيق عن «البطيخ.. اختلفت الأنواع والنكهة واحدة». وقتها سيبعث شعب بابل برسالة جوال ل «قورش» الفارسي مفادها «تعال شف شغلك الله يرحم أمك». عندما عرف البابليون الصحافة في عصور ما قبل الميلاد لم يدر في خلدهم أنها ستصبح لعنة ووسيلة خراب على رأس بعض الشعوب. ولم يتصوروا أن غايتها السامية ستندس بتحويلها إلى مهنة علاقات عامة من النوع الأول، وإلى أداة يتم استغلالها لمسح الجوخ. فالصحفي الذي يقطع طريقه إلى العمل يوميا مارا بآلاف الحفر والمطبات التي تدفعنا لاعتقاد أن المقاول الذي أنشأ هذه الطرق كان شغوفا في صغره بلعبة «الإكس أو»، هو الصحفي نفسه الذي يكتب خبرا عن تطور في المواصلات والنقل في دولته لدرجة تدفعك في نهاية الخبر بمطالبة دول العالم بالاستفادة من تجاربنا!. والصحفي الذي لم يستطع ابنه تهجئة كلمتي «حكي فاضي»، هو الشخص نفسه الذي يكتب مقالا عن «الثورة العلمية والثقافية في التعليم»!. بعيدا عن شرف المهنة الذي ضاع بين مكاتب المسؤولين، والاحترافية والتأهيل الغائب عن معظم صحافة المنطقة العربية، والذي يدفعك للخلط بين نص خبر كتبه أحد الصحافيين، وبين موضوع تعبير عن «الجمل» ألفه أحد طلاب الصف «السادس»!، نشر موقع منظمة «مراسلين بلا حدود» التي تهتم بالدفاع عن الحريات الصحفية تصنيفه السنوي عن مستوى حرية الصحافة في الكثير من الدول، وجاءت الدول العربية كعادتها متذيلة تصنيفه الذي ضم 175 دولة حول العالم!. السلطة الرابعة وعين الرقابة الأولى أضحت في كثير من بلداننا قيدا ووسيلة قهر من الدرجة الأولى!. فمن الطبيعي جدا أن يطالع مواطن «كادح» من الطبقة المطحونة يعمل بوظيفة على بند قابل للإزالة، خبرا يتحدث عن الاستقرار الوظيفي المنقطع النظير ومستوى الدخل العالي جدا، بينما كان المواطن «كادح» نفسه «يكاسر» بثمن كيلو «خيار» أثناء شراء الجريدة!.