على الرغم من أني لا أفرق بين الراب والهيب هوب ولا أعرف تاريخ كل منهما مع مشاهداتي القديمة للأفلام الوثائقية المؤرخة لهذا الفن، ولا أريد أحدا أن يخبرني عنهما، إلا أن المحاولة العقيمة المضحكة في نفس الوقت لتعريبه تجعلني أفقد الأمل في ولادة إحياء للفن العربي. فمن غير الممكن أن ننقل النمط الغنائي كما هو من ثقافة أنشأته إلى ثقافة أخرى مع فارق تغيير الكلمات إلى لغة الثقافة المنقول إليها.. فالكلمات من أساسيات أي ثقافة. ومنذ انتقال هذه المحاولات إلى العالم العربي وأنا في حالة من الهزؤ والسخرية والتعجب من ترويج الإعلام والشركات له، وأعداد الجمهور المتكلف المتلهف لسماعه. الأغنية صوت من أصوات حضارة أمة يجب أن تقرأ كما هي، فحين نريد أن نستمع لأغاني الهيب هوب أو الراب أو الجاز علينا أن نتعلم تلك اللغة ونسمعها بنفس تلك اللغة، محاولات التعريب والنقل تفسد هذا الفن وتنتقل به إلى أن يكون مضحكا أكثر من أي شيء آخر. هل من المعقول مثلا أن نفرغ لحنا عربيا، سعوديا مثلا من الكلمات ونسقط عليه كلمات لغة أخرى لنحاول أن ننقل هذا الفن إلى ثقافة أخرى؟ هذه المحاولات غير مستساغة لي أبدا، بل هي تظهر لي في شكل عروض كوميدية أكثر من أن تكون محاولة جادة لزرع نوع معين من الغناء. أرى أن أول العيوب المستترة عند محاولات النقل هي إخفاء حقيقة جودة المغني، فالهيب هوب والراب لا تلزم مؤديها حنجرة ذهبية، بينما الأغنية العربية في وضعها العام بحاجة إلى صوت ذي أداء متميز حتى يمكن قبوله وانتشاره. أضف إلى ذلك توسيع الفجوة بين الجيل الجديد وفنه الأصيل الذي يرتوي على ثقافته الأم من لغة وألحان، ف «الزعيق» المنقول إلينا يجتذب لا شعوريا الشباب الصاعد ويعود أذنه على هذا النوع. القرب من حضارة أو ثقافة لا يعني سلخ جلدها ومحاولة زراعة جلد صناعي من عندنا، كثيرا ما أشير إلى أن الترجمة أحيانا تفسد المعنى ويعتمد العمل كثيرا على ثقافة المترجم وأدواته وهذا ما لا يعترف به قلة من الشباب المتأثر وشركات إنتاج يهمها الربح أولا والذائقة تروح في ستين داهية. هل يعرف أحدكم «خضير هادي» وبعض أغنياته التي هي أقرب لأرواحنا العربية حين المقارنة بينها وبين الهيب هوب وأقربها أثرا في الروح والأذن العربية، أدعوكم للاستماع لبعض أغانيه مثل «اللي يحبك ما يخسرك» و«ياخوي» وأغنياته للعراق، ستعلمون جيدا ما الذي أتحدث عنه، وملامسته لعشق أرواحنا الطبيعي للشعر العربي واللحن العربي، هذا مثال يؤكد أنه بإمكاننا أن ننشئ فنا غنائيا جديدا بروح عربية تتناسب مع تطلعات الأذن الشبابية المنطلقة. حتى إن لحن شعبان عبدالرحيم الشهير لهو تجربة أكيدة لاستحداث فروع غنائية بروح عربية. أخيرا، يا جماعة لقد ضقت ذرعا ب «خراط» الهيب هوب والراب العربي ومغنيه من أصغر واحد لأكبر رأس، ومستعد أن أكتب فيهم ألف مقال ومقال لتسفيههم والضحك عليهم، أما هذا المقال فهو للتحليل وإبداء الرأي فقط. مدونة عبدالله الزهري http://rosebreeze.blogspot.com