من أدمن متابعة الإعلام العالمي مثلي هذه الأيام لا شك سيقع على مقالات تقارن ما يحدث في العالم العربي بأمور حدثت في مناطق أخرى من العالم في الماضي. منهم من يقارن العالم العربي بأوروبا الشرقية عقب انهيار الشيوعية مع إغفال أن هذه الثورات كانت نتيجة طبيعية لجلاء القوات السوفيتية، ومنهم من قارنها بإيران عام 1979. ولكن الحركات العربية شعبية ودون قيادات كاريزماتية كالخميني. لكن المقارنة الوحيدة المقبولة هي مع ما حدث في أوروبا عام 1848. التشابه فعلا مذهل. ففي عام 1848 عمت الثورات تقريبا نصف الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وإيطاليا. بينما بقيت دول أخرى كبريطانيا وهولندا والبرتغال بمأمن تام. عام 1848 جاء بعد ما يسمى بعصر التنوير في أوروبا الذي انتشرت مفاهيمه عن طريق الصحف والمنشورات التي انتشرت مطلع القرن ال19 بعد انتشار التعليم. كما واكب هذه الفترة ازدياد هائل في السكان بسبب الثورة الصناعية وتجارة وزراعة العالم الجديد. كل هذا خلق طبقتين متوسطة وعاملة كبيرتين لم تستطيعا تحقيق أحلامهما خصوصا في فرنسا التي تحول النظام فيها إلى أسوأ مما كان عليه قبل الثورة الفرنسية الشهيرة التي زلزلت أوروبا عام 1789. الدول التي لم تثر شعوبها كانت قد تنبأت حكوماتها بهذه المشكلات وأوجدت لها حلولا مسبقة. الحال في العالم العربي الآن يلي الزيادة الضخمة في عدد السكان وانتشار التعليم والتواصل عن طريق الشبكات الاجتماعية وزيادة حجم الطبقتين الوسطى والعاملة اللتين يئستا من تحقيق أحلامهما. ولكن ماذا بعد ذلك؟ يجمع المؤرخون على أن جميع ثورات 1848 وبلا استثناء فشلت في تحقيق أي نجاح يذكر على المدى القريب والمتوسط على الرغم من أن بعضها استطاعت قلب نظام الحكم. بل إن الفوضى التي تلت الثورات أدت في النهاية إلى ظهور أنظمة استبدادية أكثر من ذي قبل. ولكن على المدى الطويل، فإن مفاهيم هذه الثورات أدت في النهاية إلى أن تتبلور الأنظمة الأوروبية مع نهاية القرن ال19 لكي تصبح على شاكلة الأنظمة الديموقراطية التي نعرفها الآن. وإذا صدقت هذه المقارنة التاريخية، فإنه أمام الشعوب العربية الثائرة أعوام لن تكون سارة وعليها أن تصبر حتى ترى النور لأحلامها. حمى الله الأمتين الإسلامية والعربية من الشرور ويسر لها ما فيه خيرها.