حفز العائد المادي الكبير الذي تبتلعه صهاريج شفط المياه، الكثير من العمالة امتهان هذا العمل، في وقت انضم إليهم أصحاب رؤوس الأموال، بغرض الاستفادة من الأموال الكبيرة والسيطرة على سوق التصريف. لم تعرف جدة إلا حاجة ماسة بضرورة شفط المياه بشكل دوري قد يصل إلى مرة كل يومين عند بعض أصحاب العمائر المتكدسة، إضافة إلى أيام مواسم الأمطار وضغط العمل، فيما يشكل التواصل مع الجهة المخولة بالأمر، والضبابية في طريقة الوصول إليهم، عوامل ساعدت على ارتفاع معدل الأرباح، والإقبال على العمل في مهنة ربما يسعى البعض لتجنبها. لم تكن الصدفة وحدها التي قادتنا للتعرف على «العالم الأصفر»، إن صح التعبير، فأحد الأشخاص فضل طلاء صهريج مياه التحلية الذي يمتلكه، بطلاء أصفر، رغبة في هذا اللون، وتأكيدا لرغبته في دخول غمارها. لكن الأمر الذي رصدته «شمس» لم يكن إلا تأكيدا على مدى العشوائية، وعدم وجود صهاريج رسمية مخصصة للخدمة، إضافة إلى حجم المبالغ الكبيرة التي يتقاضاها أصحاب صهاريج الصرف الصحي، وإمكانية رفع الأسعار بحسب الحاجة الماسة التي يعانيها السكان. يعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور أسامة فيلالي، عملية نقل مياه الصرف الصحي بهذه الطريقة عملية غير حضارية، مطالبا الجهات المختصة بإيجاد شبكة تصريف في أسرع وقت ممكن «نحن في القرن الحادي والعشرين، ومن العيب أن نجد في مدينتنا وسيلة نقل كهذه، ومدينة جدة لا تحظى بشبكة صرف صحي، فهذا أسميه عارا في جبين هذه المدينة الجميلة، ومن الطبيعي جدا أن يستغل القائمون على هذه الناقلات الظروف، وكما نعلم في أي عملية هناك عرض وطلب، ونجد الطلب على هذه الخدمة كبيرا جدا، وكما أعلم أن الذين يسيطرون على هذه الناقلات فئة هي من العمالة الوافدة، ومنحصرة في الجنسيتين الحبشية أو الصومالية، وأعتقد أن لهم الحق أن يفرضوا الأسعار التي يرونها، لكن ليعلم الجميع أن وسيلة النقل هذه مضرة جدا بالبيئة، حيث إنها تنقل الأمراض وتسير بها في الشوارع، وتبث الروائح الكريهة والكائنات الدقيقة الضارة في شوارع المدينة، وهذا الأمر لا يجوز أبدا». ويرى فيلالي أن هذه الوسيلة فيها إرهاق للمواطن ولجيبه «وتكاليف لا نتمنى أن يتكلفها المواطن، قد تكون مبالغ قليلة بالنسبة للعرض إلا أن تكرارها يجعلها مبالغ كبيرة، والمواطنون غالبا يجبرون على إزالة هذا الأذى بأي تكلفة كانت، فهم مجبورون على ذلك، والأخبار تقول إن هناك مشاريع للصرف الصحي بمدينة جدة، وسوف يتم الانتهاء منها في القريب العاجل، نأمل أن ينجز هذا الأمر بأسرع وقت ممكن، لأن ذلك سمة من سمات التخلف». النهاية مرتقبة وفيما أكدت أمانة جدة أن جدة ستتخلص قريبا من صهاريج الصرف وفق تأكيدات سابقة وحالية لمسؤوليها، شدد مواطنون أن عددا من أحياء جدة تفتقد الخدمة وخصوصا الشمالية منها، وأن المسألة ستأخذ وقتا طويلا، ريثما يتم الانتهاء منها. وأشارت المصادر في أمانة جدة إلى أن الأمانة تسعى إلى توفير المشروع، وهناك دراسة كاملة عنه في حين علمت «شمس» أن آلاف المشتركين ينتظرون ربطهم بشبكة الصرف الصحي التي ألمحت وزارة المياه إلى أنه سيبدأ العمل فيها هذا العام وسينتهي في عام 2014م. حفر الآبار عبر مواطنون من جهتهم عن أسفهم الشديد لما يعانونه بشكل مستمر من صهاريج الصرف الصحي، حيث أكدوا أن هناك استغلالا فاحشا من قبل سائقي الصهاريج فتارة يرفعون الأسعار، وأخرى لا يتجاوبون مع الأهالي بشكل سريع مما يسبب تسربات المياه على السطح، معيدين سبب ذلك إلى عدم وجود جهة معنية بهذا الشأن يوجهون شكاواهم إليها حال وجود أي ملاحظات على السائقين، لافتين إلى ضرورة وجود رقم موحد يتبع للجهة المعنية المسؤولة عن الصهاريج تمكن المواطنين من الرجوع إليها وقت الحاجة، وتسهل عملية التنسيق معها لانسيابية الحركة والتخلص من العشوائية الموجودة. عبدالله هزازي، الذي يسكن في حي النزهة بالحارة الشعبية، توقع أن يكون حفر البئر هو الحل لمشكلة مياه الصرف الصحي، وأنه سيتخلص من التكلفة المادية التي يدفعها كل شهر، إلا أنه تفاجأ أن حفر البئر أصبح حلا لمدة لم تتجاوز ستة أشهر «أسكن في عمارة خاصة عبارة عن دور واحد، لعائلة واحدة، والعادة أن يأتينا الصهريج مرة واحدة في كل شهر، فوجدت عددا من الإشكاليات تواجهني بسبب التنسيق مع قائد الصهريج، وأحيانا مع تسربات المياه فجاءتني فكرة حفر بئر يمنع تسرب مياه الصرف الصحي، والتخلص من مشكلة الشفط المتكررة، وقد كلفنا حفر البئر قرابة خمسة آلاف ريال. وأضاف هزازي «نجد معاناة حقيقية مع هذه المياه، ففي كل شهر، لا بد وأن تشفط المياه، ونحرص ألا تتسرب إلى السطح وتؤثر على المنازل المجاورة، مما يسبب الإزعاج لهم، فكان لزاما علينا في كل شهر أن نضع ميزانية خاصة بهذا الأمر. ويستنكر الأمر «في طريقي إلى المسجد وبجوار منزلي توجد عمارة كبيرة عبارة عن أربعة أدوار يسكن فيها عمالة كثر، وهذه العمارة تستخدم صهريج الشفط كل يومين، ومع ذلك فالماء يطفو على السطح، ويؤثر علينا عندما نريد الذهاب إلى المسجد، فنضطر أحيانا أن نسلك طريقا آخر لنصل إلى المسجد». حق للمواطن وحول معاناة هزازي مع قائدي مركبات الشفط أوضح «عندي رقم أحد سائقي الصهاريج، فأتصل به في كل مرة، وأجد في بعض الأحيان استغلالا منه، بحيث يدعي أنه مرتبط مع عمارتين أخريين، فإن كنت تريدني أن أحضر إليك فزدني قليلا لأتركهم، فلا أجد مجالا حتى لا تتسرب المياه إلى السطح سوى الموافقة على طلبه وزيادة السعر، وفي مواسم الأمطار يكون العمل عندهم مزدحما، فأحيانا لا أستطيع الوصول إليهم إلا بعد محاولات كثيرة، إضافة إلى أن الأسعار ترتفع بشكل غير منظم». وطالب هزازي بإيجاد شبكة تصريف للمياه، وهذا حق شرعي من حقوق المواطن العادية «فنحن لا نطالب بأحلام وردية ولا تستطيع الدولة تحقيقها، فلو توافرت لنا هذه الشبكات فستذهب عنا هم المبلغ المالي الذي نقوم بسداده شهريا، إضافة إلى التخلص من تسربات المياه التي تلوث شوارع وطرقات الحي، وتعكس وجها غير جميل عن مدينة جدة التي اشتهرت مؤخرا أن طرقاتها لا تخلو من مياه الصرف الصحي، بل حتى شوارعها الرئيسة». معاناة أزلية في نفس حي النزهة ولكن في منطقة العمائر يسكن المواطن سامي الشيخ، الذي اعتبر أن هذه المشكلة أزلية ولا يعرف أحد متى تنتهي بالضبط «قبل سنتين تقريبا كان استهلاكنا الشهري لهذه الصهاريج أربع مرات، وفكرنا في إيجاد حل لهذه المشكلة فاضطررنا لحفر بئر يخلصنا من هذه العملية، وبالفعل قبل سنة تقريبا حفرنا البئر إلا أنه وبعد ستة أشهر لم يفلح البئر معنا، فعدنا لاستخدام صهاريج الشفط مرة أخرى بشكل أسبوعي». اتصالات عشوائية كما تشكل الصهاريج أزمة في الحي الذي يسكن فيه سامي الشيخ، فيوضح «المنطقة التي نحن فيها كلها عمائر والجميع يستخدم الصهاريج لشفط مياه الصرف، فتخيل بشكل أسبوعي تجد الصهاريج وهي تمتد أمام كل عمارة لتمارس وظيفتها، فهذا يؤثر على الحركة المرورية داخل الحي، كما أنها تؤثر على الشوارع فتخلق الحفر مما يؤثر على شكل الشوارع داخل الأحياء، ولا يوجد رقم موحد يمكن الاتصال عليه لتوفير صهريج المياه، اتصالاتنا نقوم بها بشكل عشوائي على قائدي الصهاريج، فالأول لا يرد والثاني مشغول وثالث لا يرد أيضا، فأضطر أحيانا إلى الذهاب للمكان الذي يجتمعون فيه فأجد استغلالا فاحشا كوني تواجدت بينهم وهذا يعني أنني في أمس الحاجة إليهم، فأضطر للرضوخ إليهم». وأكد سامي أنه لو قرر أحد أن يشتكي على هؤلاء السائقين، فلا توجد جهة واضحة نوجه شكاوانا إليهم «الذي يتضح لي أن قائدي الصهاريج هم أصحابها، فأنا لا أعرف جهة واضحة أقدم شكواي إليها، لذا لم أتقدم بشكوى لأي أحد، مطالبا بإيجاد جهة محددة يكتب لها رقم واضح على هذه الصهاريج، واسم الجهة المسؤولة عنها، حتى نرفع شكاوانا إليها من ناحية، ويلتزم سائقوها بالضوابط المحددة لهم». أرباح واستغفال وكشف أحد السكان أن بعض العاملين على هذه الصهاريج يستغلون حاجة الناس إليهم فيزيدون في الأسعار، فهو بذلك يحقق لنفسه ربحا من العميل إضافة إلى مرتبه الشهري الذي يتقاضاه، مشيرا إلى أن حاجة الناس بشكل مستمر تجعله يربح منه مبلغا وقدره في كل شهر، حتى لو كان المبلغ الزائد الذي يتقاضاه يسيرا فإنه يتكاثر مع الأيام. وأفاد أن الأماكن المخصصة لتجمع مياه الصرف تختلف من حيث السعر، فالقريب منها يكون سعرها مرتفعا، بينما البعيدة ينخفض سعرها لبعدها عن المناطق السكنية وتستهلك وقتا طويلا ليصل إليها صاحب الصهريج «بعض سائقي الصهاريج يحرص أن يصب الماء في المكان البعيد بغرض التوفير إضافة إلى أنه يستهلك مبلغا أكثر من صاحب العمارة كونه لا يمكنه تفريغها في الأماكن القريبة». علاقات حميمية ويبدو أن صنع العلاقات مع هؤلاء السائقين له دور مهم في هذه الحالات، فعندما لا تكون هناك جهة واضحة للتواصل معها والتبليغ عن بعض الحالات ساهم في خلق المزاجية التي يتمتع بها أغلب السائقين، فلم يجد أحد المواطنين سبيلا للتخلص من هذه المزاجية أو رفع الأسعار سوى أن يقيم علاقة حميمية مع قائد الصهريج ليتمتع بمميزات أفضل من غيره. وأوضح محمد العمودي الذي يسكن في حي الفيصلية، أن «والدي ارتاح كثيرا بعد أن صنع علاقة جيدة مع سائق الصهريج الذي يزورنا في كل أسبوع مرة، لا نجد إشكالية من عملية شفط المياه، كما أنه لا يحاول استغلالنا من الناحية المادية أبدا فهو يأخذ حقه من غير إنقاص حيث إننا نسكن في منزل خاص بنا، وبمجرد اتصالنا عليه يأتي على الفور ويؤدي واجبه على أكمل وجه، كما أننا في الفترة الأخيرة أخبرناه أن يحضر إلى المنزل كل يوم خميس ليسحب الماء من الخزان، فلم نعد نتصل عليه، وهذا الأمر أراحنا كثيرا من هذه المشكلة التي باتت تؤرق كثيرا من الناس» .