خبر مر في الصحافة العربية مرور الكرام، وذلك في ذروة انشغال العرب وإعلامهم بما يحدث في أكثر من قطر عربي من تحركات وثورات شعبية، ذلك هو استقالة وزير الدفاع الألماني كارل جوتنبرج. الاستقالة خبر عادي، لكن سببها غير عادي، وذلك أنه قدم استقالته بعد الحملة الإعلامية عليه إثر اتهامه بنقل مقاطع من كتاب لم يشر إليه في أطروحة الدكتوراه، كما تقتضي الأعراف الأكاديمية والأدبية. قرأت هذا الخبر وأخذتني الأفكار والهواجس عن واقعنا العربي، فكم من مآس وكوارث تحدث ولا يرف لها جفن الوزير المعني في هذا البلد العربي أو ذاك، حتى الاعتذار والاعتراف بالمسؤولية مستكثر، أما الاستقالة ففي حكم النادر. «أقدم اعتذاراتي إلى جميع الذين أسأت إليهم».. قالها الوزير الأرستقراطي الذي يحمل لقب بارون، وهو من أصغر وزراء حكومة أنجيلا ميركل «39 عاما». ثم اعترف بكل شجاعة أدبية وتحضر قائلا «إنها مسألة أدبية، لطالما أبديت استعدادا للنضال لكنني قمت بأقصى ما يمكنني القيام به». اللافت أن 75 % من الألمان لم يؤيدوا الاستقالة، كما أن المستشارة الألمانية دافعت عن أدائه في الحكومة وامتدحته خصوصا أنه كان وزيرا للاقتصاد قبل الدفاع بثمانية أشهر، إلا أن السلطة الرابعة «الصحافة» لها تأثيرها وكلمتها الفاصلة في مجتمع كالمجتمع الألماني. إذن برغم أن الحكومة وغالبية الشعب الألماني أرادت بقاءه في الوزارة، إلا أنه رأى في الاستقالة حفاظا على كرامته، وفي الاعتذار احتراما لشخصيته وتأكيدا لأرستقراطيته، فالاعتذار فضيلة وقيمة حضارية، ما أحرانا بانتهاجها في سلوكنا اليومي وأخلاقياتنا، بالنظر إلى حضارتنا الإسلامية العريقة. والمتأمل لأحداثنا العربية الحالية، يذهل وتأخذه الحيرة، بل يشعر بالخجل إذا نظر إلى ما قدمه هذا الوزير الألماني، وما يفعله بعض الزعماء الذين استلوا سيوفهم فصاروا أضحوكة للشرق والغرب.