من المقرر أن تنظر الهيئة الابتدائية بمكتب العمل بجدة في ال 24 من الشهر الجاري في قضية فصل 163 موظفا سعوديا من الجنسين من قبل شركة وطنية متعاقدة مع مستشفى الملك عبدالعزيز ومركز الأورام بجدة قبل تسعة أشهر، فيما عزز المفصولون مطالبهم بالتعويض عما لحقهم برفع شكاوى لأمير منطقة مكةالمكرمة ووزير العمل مؤكدين فيها أن فصلهم كان تعسفيا وغير مبرر. ورغم أن القضية كشفت أن هناك هروبا من تحمل مسؤولية فصل أولئك الموظفين وتبعاته من قبل المستشفى ومديرية الشؤون الصحية من جهة، والشركة المشغلة من جهة أخرى، إلا أن ما لم تكشفه هو المعاناة التي يعيشها المفصولون التي امتدت تسعة أشهر من الحيرة والتساؤل: لم فصلنا؟ ولعل من المفارقات الغريبة أنه بمجرد إصدار قرار إنهاء خدماتهم برزت إعلانات المستشفى عن حاجتها لشغل وظائفهم، وهو ما يعزز به الموظفون والموظفات المفصولون دعواهم في أن فصلهم كان تعسفيا، وأن المزاعم بعدم الحاجة لهم غير صحيحة. تمديد مؤقت وبالعودة إلى تفاصيل القصة قال أنور الغامدي «الوكيل عن الموظفين المفصولين» ل «شمس» إن عقد الشركة المشغلة للمستشفي انتهى في نهاية 2009 وتم تجديده مرة أخرى ولمدة ثلاثة أعوام، لكن المثير في الأمر أنه تم حذف بند «الوظائف الإدارية» من العقد الجديد، ولكن لأهمية هذه الوظائف التي تمثل العصب الحساس في سير العمل ولارتباطها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بخدمة المرضى والمراجعين، فقد تم التمديد للموظفين ستة أشهر بشكل مؤقت، باتفاق مع وزارة الصحة، حيث تم استحداث وإدراج هذه الوظائف بعقد الصيانة والنظافة للمستشفى، على أن يتم إيجاد حل نهائي لمعالجة وضعهم «تم تعبئة نماذج وتم رفع قوائم بالأسماء والوظائف المحددة من قبل إدارة المستشفي للشؤون الصحية بجدة لدى الشؤون المالية والإدارية قبل انتهاء المهلة بفترة طويلة لضمنا إلى برنامج التشغيل الذاتي.. لكن كانت المفاجأة بعد ذلك تسريحنا وإنهاء خدمتنا جميعا من الشركة والمستشفى». لسنا همجيين وأضاف الغامدي أن المفاجأة كانت أكثر قسوة في التحامل الشديد الذي حمله بيان الشؤون الصحية، عن لسان مديرها الدكتور سامي باداود على الموظفين، حيث نفى فيه علاقة الشؤون الصحية بالموظفين وعدم تبعيتهم للمستشفى، وأشار إلى أنهم تابعون لقطاع خاص. ولم يكتف البيان بذلك بل اتهم الموظفين بالتهجم على مدير المستشفى «تم إنهاء تكليفه قبل أيام» ونعتهم ب «الغوغائيين» و«الهمجيين» وأن وظائفهم ليست لتسيير أمور العمل وأنهم كانوا عبئا على الدولة. مشيرا إلى أن البيان ألقى باللائمة على وزارة المالية فيما يخص وظائف التشغيل وعقودها، في الوقت الذي كانوا فيه موعودين بتحويلهم إلى نظام التشغيل الذاتي بالمستشفى والبند الخاص به الذي يعمل بموجبه العديد من المستشفيات بالمملكة ومنها مستشفيات في جدة مثل مستشفيي الملك فهد والأمل. وذكر الغامدي أن المدير الأسبق للمستشفى كان أكد أن هناك احتياجا لوظائفهم وجرت مخاطبات بين المستشفى والشؤون الصحية ووزارة المالية حول الأمر. «طلب منا المدير مهلة ستة أشهر حتى تأتي وظائف من الوزارة لكنه وقبيل انتهاء المهلة المحددة تم تغييره وتعيين مدير جديد زعم عدم حاجته لأي من ال 163 موظفا في الوقت الذي كان يتداول فيه سرا وجهرا أن هناك حاجة ل 60 وظيفة من وظائفنا نفسها، ثم انكشف الأمر تماما عندما نشر على شبكة الإنترنت الحاجة لتلك الوظائف.. وما نعرفه أيضا أنه تم تعيين 19 موظفا». فصل تعسفي إلى ذلك قال كل من علي المطيري و «وفاء. ع» إن فصلهم يتعارض مع كل المبادئ الإنسانية التي كفلت للفرد حقوقه وواجباته فكيف وهذا الإنسان هو مواطن الذي كفلت له حكومته كل السبل التي تضمن له الحياة الكريمة الآمنة؟ «تسعة أشهر منذ إنهاء خدماتنا جعلتنا نصطلي بنار الحاجة للعمل والكسب الشريف من أجل الإيفاء بالتزاماتنا والتزامات أسرنا.. فشهر واحد بلا مصدر رزق يهدد استقرار البيوت فكيف يكون الحال في تسعة أشهر؟!». وعن أدائهم أثناء العمل في الشركة والمستشفى أكد أنهم لم تكن تنقصهم الخبرة ولا التأهيل العلمي والعملي ولا الالتزام ولا العطاء.. وأن الحاجة لتلك الوظائف بالمستشفى كان قائما كما هو الحال في أي مستشفى فالجسم الإداري لا يقل أهمية عن باقي الكوادر الطبية والفنية. مواجهات مرهقة عدد كبير من الموظفين المفصولين حارت بهم السبل ما بين إجراءات التقاضي الطويلة والمعقدة في ظل الإجراءات المتوقع اتخاذها من أطراف القضية حتى يتم الفصل فيها، وما بين صعوبة إيجاد وظيفة مناسبة توفر على الأقل الحد الأدنى من حاجاتهم الأساسية أو أقل منه، فالبقاء في هذه الحالة أمر مرهق جدا وفوق احتمالهم. كيف يعيش هؤلاء الموظفون؟ «أغلبهم شباب وشابات» دون مصدر دخل في مواجهة ظروف الحياة والمعيشة اليومية الصعبة ومتطلباتها الملحة؟ خاصة أن بعضهم متزوج وله أبناء وبعضهم كان على وشك الزواج وآخرين يعولون والديهم وإخوانهم. خرجت ولم تعد وقال أنور الغامدي: «اثنان من زملائي المفصولين زوجان لم يعودا قادرين حتى على شراء حليب وحفاظات لطفلهما الذي لم يتجاوز عمره العامين، وهما في انتظار حل المشكلة يتنقلان للإقامة في بيتي أسرتيهما.. الزوج أخذ يتردد على الشركات والمؤسسات الخاصة بحثا عن فرصة عمل مناسبة لكن دون جدوى حتى الآن». وأضاف أن أحد زملائهم كان يقيم هو وزوجته في بيت صغير ومتواضع في جدة ولكنه كان يوفر لهما جوا مناسبا ينطلقان منه في تخطي حياتهما ورسمها بما يكفل تحسين أوضاعهما لكن يبدو أن الخطط كانت قصيرة جدا.. أقصر مما كان يتخيلها «بعد فصله لم تعد زوجته قادرة على الحياة معه فيممت شطر بيت أسرتها في الطائف بحجة زيارتهم وذلك في شهر شوال الماضي لكنها لم تعد حتى الآن إلى عشها الصغير». أما محمد اليامي الذي أكمل خطب إحدى الفتيات قبل قرار الفصل بثلاثة أشهر فقد كان يرسم في ملامح خطة الزواج وتدبير نفقاته لكنه لم يهنأ بفرحته إلا قليلا فبعد أن تم فصله سارع أهل الفتاة إلى فسخ الخطبة. فمن يرضى بزوج عاطل؟! وأضاف: «أقنعت أسرة الفتاة سابقا بأنه سيتم تحويلي إلى بند التشغيل الذاتي بالمستشفى أي إلى ملاك وزارة الصحة وسيتم تعيينهم على وظائف رسمية..إلا أن قرار الفصل الذي اعتبره تعسفيا أطاح بكل آمالي.. فنحن ضحية قطاع خاص تقوم أرباحه على الإضرار بالمواطنين وقطاع حكومي يزعم عدم حاجته إلى وظائف والحقيقة غير ذلك». وذكر اليامي أن أسرة خطيبته سألت بعض أحد مسؤولي المستشفى عن وضعه فأبلغهم بأنه هو وزملاؤه باتوا في صفوف العطالة ولا أمل في عودتهم إلى العمل: «كان موقفي صعبا فهم لم يقتنعوا بجدوى القضية المرفوعة منا وأنا أعذرهم فها هي تسعة أشهر مرت الآن وما زلنا نراوح مكاننا». وختم حديثه: «لن أسامح كل من تسبب في الإضرار بنا دون ذنب جنيناه». باعا جواليهما أما علي المطيري وفهد المطيري فهما في رحلة بحث عن وظيفة منذ أن تم فصلهما «للأسف كل الأبواب صدت أمامنا فالعثور على وظيفة كالعثور على إبرة في كومة قش.. بل أن البعض لا يرغب في توظيف مواطنين وحتى الشركة التي فصلتنا لم تكن لتقبلنا لولا أن تم توظيفنا عن طريق مكتب العمل». وذكرا أنها سمعا أن اثنين من زملائهم المفصولين عثرا على وظيفتين براتبين «1000 1200» بعد جهد شديد، لكنهما فشلا في الاتصال بهما لعل وعسى أن يرشداهما إلى حل فقد باعا جواليهما بعد أن أجبرتهما الحاجة .