تحول ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة إلى «هايد بارك مصر»، لكنه تفوق بمراحل على «هايد بارك لندن»، حيث استطاع المتظاهرون أن يعيدوا كتابة تاريخ وحاضر ومستقبل مصر من جديد. ورغم أن الميدان أحد أبرز معالم القاهرة، إلا أنه أصبح خلال الأسبوعين الأخيرين رمزا عالميا يحمل نصيبا كبيرا من اسمه، ويشهد الكثير من المتناقضات وتفاصيل الحياة: السجالات السياسية.. الهتافات.. الوحدة الوطنية.. الحب.. والتجارة. ومنذ انطلاق شرارة الاحتجاجات الشبابية، 25 يناير الماضي، ومرورا ب«يوم الغضب»، يسيطر المتظاهرون على الميدان والشوارع المتفرعة منه. وفشلت كل محاولات زحزحتهم منه، ودفعوا في سبيل ذلك عشرات القتلى وآلاف الجرحى. لقد تحول الميدان الآن إلى مزار سياحي يقبل عليه يوميا الآلاف من المصريين سواء الراغبين في أن تكون لهم مشاركة أو الطامحين في أن يكون لهم مساهمة في ثورة الشعب أو غيرهم. ويحرص الكثيرون على أن يلتقطوا صورا داخل الميدان في هذا الزخم الكبير مع رموز الحركة ومع الشباب الفاعلين، هذا فضلا عن مئات الأجانب الذين يحرصون على ارتياد الميدان يوميا وأخذ الصور وإجراء المقابلات بل والمشاركة في الهتاف والفعاليات. ورغم الأعداد الكبيرة التي تتعدى حاجز المليون في الكثير من الأحيان، إلا أن الميدان في غاية النظافة بعكس الأيام العادية، حيث تطوعت فرق من الشباب لتقوم بالتنظيف. واللافت في الوضع هو حالة التمازج والتقارب الشديد الواضح بين الموجودين بالميدان، الذي يشهد إقبالا شديدا من مختلف محافظات مصر والجميع يتحاورون ويهتفون بلغة واحدة ومنهج واحد. والأكثر إثارة هو أن الكل يترك أمراض المجتمع خارج الميدان. ورغم وجود آلاف الشباب والفتيات، غير أنه لم تحدث أي حالة احتكاك أو تحرش واحدة، بل أن الجميع يتعاملون من منطلق أخوي. ونظرا للأعداد الكبيرة المحتشدة وسط حصار أمني، فقد وجد البعض هذا الوضع فرصة سانحة للتجارة وانتشر باعة أعلام مصر، الأطعمة، السندوتشات، الشاي، السجائر، كروت شحن الموبايل، المياه الغازية وإلى غير ذلك. ورغم ذلك تجد من يطاردونك ويقدمون إليك الطعام سواء السندوتشات أو المخبوزات وكذلك المياه من المتبرعين من الأهالي الذين يأتون إلى الميدان ليوم واحد في محاولة لتقديم يد العون والمساعدة لهؤلاء الشباب الذين أنجزوا ما فشل في إنجازه رجال السياسة على مدار 30 عاما.