من واقع تجربة مغايرة يخوضها الشعر العربي اليوم، يسعى الشاعر محمد خضر الغامدي إلى تقديم وصفة حضور جديدة، عبر تجربة ناشئة، يحرص على تكريسها بعيدا عن تقليد الأسلاف والمسلمات الجامدة، والدرس الشعري الجاهز, على اعتبار أن الشاعر يقترب من تحقيق نجاحه كلما انفرد بلغته وصوره بمعزل عما كتبه سابقوه. ما الذي استكملته في مشروعك الشعري؟ في كل تجربة أسعى لأن أبحث عن أمكنة شعرية جديدة, ومناخات مختلفة وأعتقد أن أي مشروع بحاجة إلى التخلص دائما من التكرار أو الانسياق خلف ذهنية محددة ما. هل لا يزال المتلقي بخير في قبول التجارب الإبداعية بذات الوعي السابق؟ المتلقي بخير ما دام هناك من يكتب بوعي، ومن يستطيع أن يقنعه بنصه وإبداعه بعيدا عن التكريس لمفاهيم الإبداع المغلوطة، المتلقي هو ذاته في كل زمن.. تزيد درجة الوعي وتنقص حسب واقعه الثقافي والاجتماعي وزمنه الفكري أيضا. كيف للشاعر أن يتجاوز حاجز الذائقة التي لم تعد متصالحة كثيرا مع الشعر؟ هذا دور الشاعر أولا في أن ينتقل بالمتلقي إلى واقعه وإلى حياته وهمومه ودهشته الجديدة التي لم تعد دهشة الأمس، بديلة عن النص الذي لم يعد صالحا لحياة متغيرة ومتسارعة وناهضة كل لحظة, دور الشاعر أن يبدع ما يصنع ذائقة جديدة تعنى بمفاهيم الحياة الجديدة وتصوراتها وبالتالي دوره في النهوض بمفهوم الشعر اليوم. هل خرب النثر تلقي الشعر؟ أعتقد أن كلا منهما فن مستقل بذاته, وقد لا يؤثر أحدهما في وجود الآخر، وقد يكون أغلب الشعراء فقط غير قادرين على جعل الشعر أكثر حيوية بعيدا عن اللغة البلاغية المفرطة وقريبا إلى نبض الحياة, وفي قصيدة النثر -مثلا - أعطت العبارة النثرية زخما وثراء للنص الشعري الذي استخدمها كفن مستقل بذاته. ما موقفك من اللحظة الشعرية الراهنة؟ التجربة الشعرية عموما أخذت بجوانب كثيرة في التحديث وفي مراحل الكتابة الجديدة، لكنها في كثير من التجارب كان ينقصها الوعي من جهة وما هو حقيقي من جهة أخرى، وتخلص كثير من الشعراء من المحاكاة العمياء لتجارب غربية أو حداثات مجايلة، وبدأ يظهر جليا الاهتمام باللحظة الشعرية في إطارها الإنساني والواقعي، الذي يعنى باليومي والمعاش والتجربة ولا ننسى أن التحولات التي مرت بها أجيال متتابعة شكلت وعيا مختلفا لراهن الشعر اليوم, أجيال مرت وتجارب ومفاهيم بقي الشعر فيها هو الكائن الحيوي الذي يرفض حالة الثبات، بل يتشكل كل مرة من جديد، مثلما تغيرت من حوله مفاهيم الأشياء والأفكار, ولم يعد الشعر يكترث كثيرا لمفاهيم تقليدية في بنائه وفي مفهومه. واكب ذلك مفاهيم متغيرة وحديثة نقدية ووعي جديد لدى القارئ, علاقة الشاعر أيضا اختلفت مع اللغة وأدواته الشعرية ومع فهمه الخاص للشعر، وأصبحنا نلحظ تجارب متباينة ومختلفة عن بعضها البعض، وهذا يحدث غالبا مع قصيدة النثر التي استطاعت أن تزاحم فنونا أخرى على رهاناتها, أصبح هنالك عدد كبير من الشعراء كل يوم يصدرون مجموعاتهم الشعرية - وأعني التجارب الجادة التي استطاعت أن تحرك تلك المساحات الراكدة - مع أن المشهد الشعري عموما مضطرب وغير واضح الملامح. كيف يمكن للشعر أن يحافظ على حضوره الإبداعي؟ أقول كيف يمكن للشاعر أن يحافظ على هذا الحضور؟ وكيف يستعيد وهج الشعر ونجمته؟ على الشاعر أن يكتب الآن بعيدا عن المسلمات الشعرية الجامدة, بعيدا عن المفاهيم الشعرية التقليدية، وعن الدرس الشعري, فكلما اقترب الشاعر من تجربته وقدمها بفرادة و بطريقته أسهم في الحفاظ على الحضور الإبداعي. نحن نقرأ في تجارب كثيرة ما يجعل حضور الشعر أكثر خفوتا وأقل توهجا بين شعراء لا يزالون يعيشون في المحاكاة والدرس الشعري الجاهز، وبين شعراء يؤمنون ببعض أوهام الشعر، مع أن الشاعر ليس معنيا بثوابت الذهنية القديمة والنمطية وغيرها. ما الذي تفكر فيه كشاعر لديه موقف إبداعي متحفز لاستعادة وهج الشعر؟ على افتراض أن الشعر فقد شيئا من وهجه وبريقه وفقد مواكبته للكثير من مفاهيم الكتابة التي ترتبط بشكل أو آخر مع الحياة والواقع والمتغيرات, أسعى دوما من خلال منابر الثقافة والحياة إلى تكريس وعينا الجديد، وهذا هو دور الشاعر اليوم في أن يلغي تلك المسافات والحواجز، ويذهب إلى البحث وقراءة مفاهيمه بشكل مختلف. هل من حضور مغاير يقدم منجزاتك بصورة متمايزة عن ماضي التجربة الإبداعية؟ قدمت أربع مجموعات شعرية خلال عقد من الزمن، وفي كل مرة أشعر أنني بصدد تجربة أكثر ثراء، وأن القادم في مستقبل النص سيتخذ شكلا جديدا، في كل مرة أحببت مسمى النص الإبداعي المتحرر من القيود ومن التصنيفات، وشعرت أنه أقرب لروح الفن وجوهره, حتى وأنا أكتب سردا روائيا شعرت أنه ضمن مشروعي الشعري عموما، أو ضمن الكتابة، بدون تصنيف أو ادعاءات، بل أعتقد أنه على الشاعر ألا يتوقف عند شرط الناقد أو المتلقي في خلق ذائقته