ذكرت في المقال الماضي قصة الأديب الأمريكي مارك توين الذي كتب إلى صديقه رسالة طويلة، قال في آخرها: «يا صديقي.. أعتذر إليك عن طول الرسالة فليس لدي وقت كي أجعلها قصيرة». بمقارنة بسيطة بين الدستور الأمريكي والهندي، يتبين أن الدستور الأمريكي يحتوي على سبع مواد قانونية فقط يمكن حصرها في تسع أوراق، في حين أن الدستور الهندي يحتوي على 390 مادة تستولي على أكثر من 400 صفحة! وواحدة من أهم الوثائق الأمريكية التي صنعت تاريخ أمريكا المستقل، تسمى وثيقة الاستقلال المحفوظة في متحف «فيلادلفيا» الوطني، وهي مكونة فقط من صفحتين، فصناعة الاستقلال لا تحتاج إلى أكثر من إرادة حرة، فيوم أن قرر الثوار الأمريكيون صناعة الاستقلال عن بريطانيا العظيمة فعلوها. ويوم أن أراد التونسيون صنعوا التغيير.. وبين أن تستجيب للقدر وأن تصنع القدر شعرة رفيعة، فهناك من يكافحون الأقدار بالأقدار، ويصارعونها حتى يصنعوا قدرا يرضونه. وحينما قيل لعمر بن الخطاب «أتفر من قدر الله؟» قال: «نفر من قدر الله إلى قدر الله».. فكيف يرضى الناس بقدر البؤس والحرمان والمسغبة.. ولا يسعون لقدر الحرية والكرامة وسعة العيش؟. الدساتير الأكثر طولا وتفصيلا، هي الأقل تفعيلا والأكثر تجاهلا، في حين أن الكلمات الأقل عددا هي الأكثر حضورا وأثرا.. وبالطبع فهذه ليست قاعدة لا تتحول، إلا أن القصد أن القوة ليست في كثرة المواد والتفريعات.. بل في استجابة تلك المواد لقدر الناس وتفاعلها مع شأنهم وخيارهم. قيل لرجل عامي ذات مرة «لا تأكل كذا وعليك بالحمية من كذا وحاول ألا تتناول الغذاء الفلاني ولا تشرب ذاك..» فنظر وقال «لماذا كل هذا؟» فقيل له «لكي يكون عمرك طويلا» فأجاب «40 سنة كريمة ومشبعة أحسن من 70 كليلة محرومة».