ارتمى العديد من الفنانين في أحضان الاغتراب بالمغادرة من الوطن الأم.. المبررات عديدة من قبل المراقبين فمرة يربطونها بهروب من القيود ومرات يوجهونها نحو بوصلة الكسب المادي، والبحث عن مناخ فني صحي.. الرحيل المفاجئ أو مغادرة الأماكن ليست وليدة تجربة مضايقات أدت إلى الهروب فحسب.. كل ما في الأمر يبلوره عقل الفنان المغادر وتؤطره مناح عديدة قد يكون تعاطي الرقيب مع المنتج وانعدام دور جمعية الثقافة والفنون على رأسها، وقد يكون الهروب من الواقع الذي يلازمهم في كل تحركاتهم الفنية. مغادرة الفنانين السعوديين إلى الخارج بصفة دائمة أو مؤقتة أضحت ظاهرة تثير علامات الاستغراب والاستفهام لدى المتابعين والجمهور عن السر وراء تجاهل الفنانين لمعطيات الانطلاقة الأولى التي خرجت من رحم الوطن إلى أن أخذ بعضهم يعتقدون أن الفنانين المغادرين يسايرون الركب ويحيكون قصة أخرى من التجمع الفني.. ثمة إرهاصات.. وجملة مبررات متناقضة ما بين مراقبين ونقاد وفنانين ممن تحدثت إليهم «شمس» حيال ذلك في حين أنه لا يملك فك الرموز المحيرة والألغاز المفسرة حول هذه الهجرة إلا من كان أحد أطرافها. لا مناخ فني ولا جمعية يتفق الكثير من المتابعين من إعلاميين ونقاد بالإضافة إلى شخصيات فنية على أن استقرار الفنان السعودي خارج بلده لا يشكل عيبا، طالما أنه يبحث عن المناخ الفني الذي يجد فيه راحته النفسية والاجتماعية فضلا عن توفر جميع الإمكانيات والخدمات التي يستخدمها في صناعة عمله الفني، وهي التي لا تتوفر في المملكة، وإن توفرت فحتما تعاني من القصور مثل جمعية الثقافة والفنون في كل مناطق المملكة، التي ساهمت بشكل كبير في عدم استقرار الفنان السعودي في البلد بسبب تقصيرها في تأدية واجباتها وتسهيلاتها وإمكانياتها، مثل احتواء الفنان بتسخير الخدمات له وإقامة المناسبات والمساهمة في تأسيس شركات ومؤسسات واستوديوهات فنية ولو بالدعم المعنوي والدفاع عن حقوقه، فضلا عن تفعيل دورها الحقيقي بالمشاركة مع الجهات المعنية بإقامة احتفالات ومسرحيات غيبت عن الجمهور وتسببت في مغادرة صناعها إلى الخارج، وهذا ما يثير الامتعاض والتذمر لدى المتابعين، الذين يجزمون أن المناخ الفني في المملكة غير صالح للعمل الفني كما كان قبل عشرات السنين حينما كان دور جمعية الثقافة والفنون بارزا ومؤثرا؛ ما انعكس ذلك على وفرة في الشركات الفنية المنتجة واستوديوهات فنية وإقامة حفلات غنائية ومسرحيات لعمالقة الفن في بعض من مناطق المملكة إلى أن «تغيرت العلوم والأوضاع وتبدلت الأحوال والطقوس، ليشعر الفنانون السعوديون بأن الخناق قد ضيق عليهم فلم يجدوا وسيلة للظهور والنجاح إلا الهرب والارتماء في أحضان بلدان أخرى». الصالح: أعمالنا الوطنية نسجلها خارج الوطن «شمس» ورغم أنها اصطدمت مع الفنانين أطراف القضية بإحاطتهم بسياج ممنوع الحديث ولا تعليق، إلا أنها تحاول وبمساعدة آخرين فك السياج والكشف عن المسببات التي دفعت الفنانين السعوديين إلى الانتقال خارجها، وكانت البداية مع الفنان والملحن ناصر الصالح، الذي يتواجد بصفة دائمة في القاهرة؛ كونه وجد العمل ملائما له؛ كونه فنانا وملحنا يقول «أختصر إجابتي لك بأن المناخ الفني في المملكة لا يصلح للفنانين، رغم أن الجمهور السعودي يعتبر السوق الكبرى على المستوى الفني، واستشهد بالألبومات التي تجد مبيعات قياسية في المملكة، وكذلك بالمتابعات لجديد الفنانين وهذا يعني أن العادات والتقاليد ليست عائقا، بل إن العائق يكمن في قلة حركة جمعية الثقافة والفنانين» ويضيف «أشعر بالإحراج حين يسألوننا لماذا نتواجد في القاهرة؟ ولماذا نسجل أعمالنا في استوديوهات مصر؟ فأتهرب من أن أقول لا يوجد لدينا استوديوهات فتصور أن الأعمال الوطنية والأناشيد الإسلامية تسجل خارج المملكة!». ويردف «جمعية الثقافة والفنون كانت لها أدوار بارزة في كل منطقة ولكن في الآونة الأخيرة لا نجد لها دورا كما في السابق» مشددا على أنه لا يبحث عن المال بتواجده خارج المملكة، قائلا ما جعلنا نمكث خارج البلد هو أن نقدم للجمهور الأعمال الفنية التي ترتقي لذائقته الفنية. بخش: الفنانون يتسولون الفن خارج المملكة الفنان محمد بخش ممن تربطه علاقات قوية بالكثير من الفنانين السعوديين المغادرين أكد أن الفنانين السعوديين يتسولون الفن خارج المملكة؛ كونهم لا يمتلكون الهوية والصناعة الفنية في المملكة ولا توجد جمعية أو نقابة لهم تحتويهم ويستطرد «بالرغم من أنني أرفض فكرة استقرار الفنان السعودي خارج المملكة إلا أنني أجد لهم المبررات المقنعة؛ فالفنانون في الدول العربية يتباهون أمامنا بالهوية ومكتوب مهنته (فنان مصري، كويتي، إماراتي، بحريني، قطري) وقس على ذلك، بينما نحن يطلق علينا فنان من قبل الإعلام والجمهور، بينما على الواقع لا نشعر بأن مهنتنا فن، وهذا ما يجعل بعض الفنانين يفكرون جديا في أن يأخذوا جنسيات أخرى ليطلق عليهم فنان» ويضيف «كذلك الصناعة الفنية في المملكة غير موجودة، فالفنان إذا أراد أن يقدم أو ينتج عملا فنيا لا يجد هنا صناعة من إنتاج أو تسويق ولذا تجد أن الفنان السعودي يتواجد 90 % من حياته خارج البلد ليصنع فنه وعمله ويسوقه ويتابعه، فيما النسبة الباقية وهي 10 % تكون في المملكة ليكون قريبا من عائلته، ففرصة العمل متوفرة خارج المملكة بالرغم من أن هناك فنانين يتعرضون إلى النصب والاحتيال؛ كونهم قليلي الخبرة حيال أسلوب العمل خارج البلد». ويواصل حديثه «يفترض أن تكون هناك أكاديميات فنية وتكون هناك صناعة ويتم تفعيل الصناعة الفنية وتكون هناك هوية للفنان السعودي؛ كون هذا حقا مشروعا له، ومن الواجب كذلك أن تتكاتف الجهات ليصنعوا الفن السعودي هناك ويدعموه ويعطوه الفرصة». ويضيف متحسرا «والله أنحرج حين يأتي إلي شباب سعودي يبحث عن فرصة لتقديم مسرحية أو عمل فني ولا يتوفر هنا لا أكاديمية ولا صناعة ولا جمعية، فهل أنصحهم بالسفر إلى الخارج ليجدوا فرصتهم ويصقلوا موهبتهم، لا سيما أن في الجامعات يقدمون مسرحيات ولكن ماذا بعد الجامعة؟ أين سيقدمون أعمالهم؟» وينهي حديثه «لذا نحن بوصفنا فنانين سعوديين نتسول الصناعة والتسويق على المستوى الفني خارج البلد بالرغم من أن بلدنا قادرة على أن تؤسس صناعة فنية أضعاف ما نجده في الخارج». القصبي يهرب من المضايقات الفنان ناصر القصبي، الذي يقيم في دبي بعد المضايقات التي تعرض لها مع عائلته من قبل بعض التيارات بسبب الجدل الذي يصاحب «طاش ما طاش» وهذا ما دفع النجم الكوميدي الأشهر إلى الانتقال إلى دبي والاستقرار هناك وفتح مكتب فرعي لمؤسسته بسبب الضغوطات والانتقادات ليجد الهدوء النفسي والذهني والاجتماعي في دبي. الماجد والجنسية البحرينية أما الفنان راشد الماجد وهو من أشهر الفنانين السعوديين الذين تنقلوا كثيرا بين الدول الخليجية ما بين الإمارات والبحرين بحثا عن المناخ الفني المناسب إلى أن استقر في البحرين منذ ما يزيد على عشرة أعوام، وقد حصل على الجنسية البحرينية؛ كونه من أم بحرينية، وبالرغم من أن الماجد يمتلك أربعة منازل في الرياض والدمام والبحرين والإمارات ويتنقل بينها من أجل عائلته وعمله إلا أنه وجد راحته العملية لا سيما على المستوى الفني خارج المملكة؛ كون العمل في الخارج يمتاز بالسهولة والانسيابية والأجواء الفنية الصحية ونستشهد بامتلاكه لفنون الجزيرة وقناة وناسه الفضائية التي تصدر من دبي. الصقر في مصر وتأكيدا على أن البيئة الفنية غير مشجعة في المملكة لحق الفنان الجماهيري رابح صقر بعد أن كان يتنقل بين دبيوالقاهرةوالرياض ليستقر في نهاية المطاف في مصر، حيث يمتلك هناك منزلا واستديو خاصا يسجل فيه أعماله الغنائية؛ كونه في المملكة لا توجد استوديوهات، ويبدو أن الارتياح النفسي الذي يجده الصقر خارج المملكة انعكس بالإيجاب على نشاطه الفني ونجاحه إذ يعتبر ثاني الفنانين الأكثر إحياء للحفلات خارج المملكة بعد فنان العرب. فنانون مغادرون وآخرون لاحقون وينطبق الحال على الفنان جواد العلي الذي يتواجد في دبي بصورة دائمة بسبب ارتباطاته العملية وحفلاته الخاصة، فيما فضل أصيل أبو بكر الإمارات والاستقرار في أبو ظبي بعد زواجه من إماراتية وكذلك عبدالعزيز المنصور، الذي استقر في البحرين. ويبدو أن هناك فنانين كثيرين على المستوى الغنائي والتمثيلي قد يلحقون بالفنانين المغادرين، لا سيما أن الأجواء الفنية داخل المملكة لا تساعدهم على الظهور وتقديم المأمول منهم لذا يتوقع مقربون من هؤلاء الفنانين أن ينتقلوا إلى العيش ولو لفترة مؤقتة بحثا عن العمل في مناخ مناسب، لا سيما أن أغلب أعمالهم الفنية والتجارية خارج المملكة، وبالتحديد ما بين القاهرةودبي ومن هؤلاء يأتي الفنان الجماهيري خالد عبدالرحمن، الذي تشير المصادر المقربة منه إلى أنه يفكر في شراء منزل وإنشاء استديو خاص في القاهرة لتسجيل أعماله الفنية، وكذلك الممثل الكوميدي فهد الحيان وعبدالله العامر وحسن عسيري، الذين ربما يغادرون إلى القاهرة لصناعة أعمالهم خارج الوطن، لا سيما أنهم يعانون مما عانى منه ناصر القصبي من مضايقات جعلته يستقر في عاصمة الفن «دبي» التي يفضلها أغلب الفنانين السعوديين لما تتمتع به من بيئة فنية خصبة؛ إذ يتوفر فيها جميع الإمكانيات والخدمات التي يحتاج إليها الفنان أو صناع الفن، ومن ذلك نستنتج أن أسباب مغادرة الفنانين السعوديين؛ لأنهم يفتقدون لأبسط ما يحتاج إليه الفنان، ونستشهد كذلك بأسماء فنية عمالقة رفضوا الاستقرار خارج الوطن بالرغم من أنهم يتوجهون إلى القاهرة أو دبي أو بيروت أو البحرين لتسجيل أعمالهم، التي قد تصل إلى أشهر .