على قارعة كل طريق، وخاصة أمام المساجد والأسواق الشعبية، يتواجد الباعة الجائلون. يبيعون كل ما هو متاح، في الأسواق الكبرى، ولكن بأسعار زهيدة، يريدون كما يقولون «التكسب ولقمة العيش الحلال»، فيما المواطن هو الآخر يسعى لما هو أرخص، ويقول: «هنا أجود من الأسواق الكبرى». وربما يكون المستهلك على حق، وربما يكون البائع المتجول الحريص على لقمة العيش على حق، لكن المؤكد أن كلاهما لن يكونا على حق في نقطة واحدة، لا تخرج عن أن ما يتداولونه «سم قاتل»، وإن اختبأ في عباءة الخضراوات أحيانا، والفواكه في أحيان أخرى. يزعم الباعة أن بضاعتهم «طازجة»، ويدللون على الأمر بدعوة كل من يقترب، أو حتى من لا يقترب باختبار الجودة، ولكن ليس على غرار المقاييس والمواصفات العالمية أو حتى المحلية السعودية، ولكن بمواصفات خاصة: «اختبر، وذق، وأبلغنا رأيك». يتناول المواطن على عفويته الفاكهة، ولأنه أحيانا يصطحب صغيره، وفلذة كبده، يطعمه مما لديه، وتنتهي «الكارثة» من قارعة الطريق، إلى جوف البطون. ولا تتضح الكارثة بين يوم وليلة، فربما وهو الغالب، تبرز بعد عقود، لتتضح النتيجة المؤلمة: «أنت مصاب بالسرطان!». ولأن الذاكرة المخروقة خاصة لأصحاب سكنى الأحياء الشعبية، لا تعرف من أين أكلت، ولا متى فرغت من «هدايا التذوق المجانية»، لن تفطن لخطورة الأمر، وتعتبر أن الأمر «قضاء وقدر»، وينتهي السيناريو. لكن الذي لم ينته في خاطرة التحذير، يتمثل في أن الخضراوات والفواكه، واجهة لانتقال السرطان، عبر المبيدات التي لا تنتهي، والتي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولا لمسها بالأيدي الملوثة، ولا إحساسها، لتنفذ في خفاء إلى الجوف. ويبقى السؤال الهام، هل يتعمد المزارعون صبغ «نكهة المبيدات» على تجارتهم، وهل يعرف الباعة أن ما في يديهم «سموم» وليست بضاعة طازجة، وهل يعي المواطن أن ما يتعاطاه بعفوية على قارعة الطريق، «سم قاتل»؟ استخدام محدود المزارع عبدالله الحسين دافع عن المزارعين المحليين، بالتأكيد على أن توجيه أصابع الاتهام إليهم جريمة بحقهم، ملقيا باللوم على الشركات الزراعية الكبرى المحلية والمستوردين: «إذ إنهم هم من يغرقون السوق بالخضار والفواكه، بينما المزارع المحلي لا يستخدم المبيدات لأسباب كثيرة، أهمها غلاء ثمنها، إذ إن سعرها باهظ جدا، ولا تستطيع شراءها سوى الشركات سواء الخارجية أو الداخلية منها، بالإضافة إلى أن غالبية المزارعين يتجهون لزراعة التمور، وهذه لا تحتاج إلى مبيدات بل تحفظ بطرق بدائية جدا تقيها من الحشرات». نخيل بلا مبيدات ويؤيده المزارع إسماعيل السماعيل: «نخيل التمر لا تحتاج ثمرتها إلى مبيدات، بل إلى جذع النخلة، حيث تحفظها من سوسة النخيل الحمراء، بينما ثمرتها إن احتاجت فهي تحتاج إلى مبيد لرشها عند بداية انعقاد الثمر، كي تحفظها من الغفار أو ما يعرف بمسمى حلم الغبار، وعند قطف الثمرة يكون المبيد قد تحلل مما لا يؤثر على آكلي التمر». تليف الكبد وشدد مشرف مزارع السيفة بمحافظة الأحساء المهندس عباس الجبران، على خطورة بقايا المبيدات على الفواكه والخضراوات، مشيرا في الوقت نفسه أنه قد يؤدي أكل الفواكه والخضراوات التي بقي فيها مبيدات إلى تليف الكبد، خاصة الحويصلة الصفراء، ما يؤدي إلى وفاة الإنسان، وذلك على المدى البعيد، إذا استمر الإنسان في تناولها، موضحا خطورتها على البيئة: «تمثل خطرا على المراعي والحيوانات وتتسبب في تلوث المياه، ويجب استخدام الزراعة العضوية، والحيوية والمكافحة الميكانيكية والحيوية، بدلا من المكافحة الكيمائية المتمثلة في المبيدات، وأعتقد أن هناك أخطاء شائعة من قبل المزارع والشركات الزراعية، حيث دائما ينشدون الربح من ورائها وزيادة سعر المحصول وذلك باستخدام مبيدات تزيد من لمعان لون المنتج الزراعي مثل الفواكه والخضراوات، ويقومون بقطفها قبل انتهاء فترة التحريم، وهي الفترة المحددة لتحلل المبيد من على المحصول بحيث إذا تناولها المستهلك لا تتسبب في أي أضرار صحية، لا على المدى القريب أو البعيد». قشروا الثمار وطالب مشرف مزارع بني معن بمحافظة الأحساء المهندس محمد الفرحان، بالامتناع عن تناول الطعام والشراب، وعدم التدخين عند استخدام المبيدات وعمليات المكافحة من قبل المزارعين: «ويجب التوقف عن عمليات المكافحة بالمبيدات شديدة السمية عند اكتمال نضج الفاكهة والخضار؛ لوقاية الأطفال من الإصابة بالتسمم من جراء تناولها، كما يجب عدم السماح للأطفال والكبار بتناول الفاكهة والخضار المعالجة حديثا، إلا بعد التأكد من غسلها جيدا، ولا يسمح بتناولها قبل مضي فترة مناسبة تتراوح بين عشرة إلى عشرين يوما على معالجتها، وذلك حسب نوع المبيد المستخدم». وبين أنه بالنسبة إلى تأثير عمليات الغسيل والتقشير والغلي والتخليل على الكرنب والخيار وغيرها مثلا: «أظهرت النتائج أن غسيل الكرنب وثمار الخيار والكوسة وغيرها أدى إلى خفض تركيز متبقيات المبيد، بل أدى التقشير إلى إزالة معظم المتبقيات من على ثمار الخيار، وبينت نتائج الدراسات أن طريقة تقشير الثمار من أفضل الطرق في تقليل البقايا النهائية للمبيد في الثمار، إلى ما دون الحد المسموح به، في حين قللت إلى حد ما عملية الغسيل والتخليل من البقايا النهائية للمبيد، وأما الغلي فقد أدى إلى خفض المتبقي من المبيد». مختبرات قياس وحذر مشرف مزارع سودة بمحافظة الأحساء المهندس محمد بوصالح، مما اعتبره «تذوق السم»، مشيرا إلى أن: «هناك باعة في سوق الخضار يطلبون من المواطنين التذوق أمامهم للتأكد من جودة المنتج، ثم إعطاءهم رأيهم، وذلك مع عظم الخطورة التي توجد في الفواكه والخضراوات من بقايا المبيدات، خصوصا في عدم وجود مختبرات تقيس متبقيات المبيد على الخضار والفواكه، والتي يجب أن تتوفر عند كل سوق خضار كبير في كل محافظة». تركيبات خطرة وأوضح الدكتور محمد عتيق الدوسري الباحث بمعهد بحوث البترول والصناعات البتروكيميائية التابع لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أن المبيدات المصنعة تتكون من قسمين من المواد الكيميائية أحدها المكون الفعال Active Ingredient، وهي المادة القاتلة للحشرة أو الطاردة أو التي تقوم بتنفير الحشرة أو التحكم بالآفات، وهذا القسم تفصح عنه الشركة المصنعة، أما القسم الآخر فهي المكونات الخاملة Inert Ingredient وتتراوح نسبتها من 0 إلى 99 % من إجمالي المبيد، وهذا القسم يقوم بتحسين وتسهيل ورفع كفاءة انتشار والتصاق المبيد، كما أنه يساعد في نقل المبيد وتوجيهه وتثبيته والحيلولة دون تفككه إلا أن الشركات المصنعة لا تفصح عن هذه المواد لدواع تجارية، إلا أن المستخدم يمكن أن يتعرف على معلومات السلامة عن تلك المواد من خلال نشرة السلامة الخاصة بكل مبيد. وأوضح أنه: «على الرغم من أن هذه المكونات الخاملة تتراوح سميتها بين عديم وعالي السمية، حيث تتفاوت سميتها أيضا حسب كيفية تعرض الإنسان لها، إذ البعض منها سام عندما يبتلع بتناول غذاء، أو شراب ملوث به أو قضم أظافر يد ملوثة بالمبيد، أو يستنشق عبر الهواء، والبعض الآخر منها سام عندما يلامس الجلد فيمتص من خلاله بناء على قدرة المبيد على اختراق الجلد والنفوذ لداخل جسم الإنسان، إلا أن المكونات الخاملة تشبه المكونات الفعالة في تهييجها للعيون، إذ إن أكثر من 650 مادة كيميائية عرفت بخطورتها من قبل الوكالات والمنظمات الصحية العالمية تختفي خلف مصطلح مكون خامل، حيث تعد تلك المكونات الخاملة سامة بذاتها، إذ يدخل ما يربو على 2500 مادة كيميائية في تركيب المبيدات على الرغم من عدم ورودها أو التنويه عنها في ملصقات عبوات المبيدات عامة، إذ إن ما ينيف عن 400 مادة منها يمكن أن تستخدم كمكون فعال بحد ذاتها نظرا إلى خطورتها، إضافة إلى أن ما قدره 209 من هذه المكونات يعد ملوثا خطرا للماء والهواء، علاوة على أن 21 مادة من هذه المكونات يشتبه في سرطنتها للإنسان، و127 منها في عداد المواد الخطرة، حسب تصنيف الدراسات الصحية والبيئة والوكالات والمنظمات الدولية، ومن هذه المواد كلورو إيثان Chloroethane، كلوروفورم Chloroform، كريزول Cresols، ثنائي بيوتيل الفثلات Dibutyl Phthalate، هكسان Hexane، بروميد الميثيل Methyl Bromide، بنزين Benzene،. تولوين Toluene لا تعليق من جانبها امتنعت أمانة الأحساء ممثلة بإدارة صحة البيئة عن التعليق على الموضوع .