بما أني – ولله الحمد - أتممت عقدا كاملا من عدم حضور الأعراس والأفراح والليالي الملاح بعدما اكتشفت أنها أسهل وأضمن طريق للإصابة بالعين، وبما أننا في فصل الصيف، وفيه تكثر دعوات الأعراس التي تعودت إلا ألبيها حتى صرت لا أدعى، لكل هذا.. خطر لي أن أتقاسم معكم هذه الخواطر المشاكسة. بداية، شهادة حق في حق إخواننا الرجال، فهم قوم عمليون، مريحون، ومرتاحون جدا؛ ولا فرق واضحا لديهم بين حفلات العرس ومراسم العزاء اللهم إلا في وجود «البشت» الأسود، الفاروق الذي به يميز ويفرق بين الفرح والترح! أعراس الرجال - في الغالب الأعم - بسيطة وجميلة؛ يسلمون ويباركون، يتصورون، يأكلون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شيء يحقق الحكمة الإسلامية من العرس: الإشهار والإظهار «إظهار الفرح». أما أعراسنا نحن النساء فغريبة عجيبة، ولاحظوا أن ما أكتبه عائد إلى عشر سنوات مضت، ولا بد أن الحال تطور، أو علي أن أقول تفاقم! وكي تعرفوا مقدار الغرابة، تابعوا القراءة يا رعاكم الله. - أولا، هناك فستان أبيض له ذيل طويل لا فائدة عملية له سوى إعاقة حركة العروس وربما التسبب في تعثرها وإحراجها أمام الملأ. أما الإصرار الغريب على اللون الأبيض فمعضلة فكرية لا تفسير لها حتى ولو اجتمع «آينشتاين» وجميع جلاوزته لما استطاعوا لها نقبا أو تفسيرا. لماذا أبيض تحديدا؟ هل هو رمز للسعادة؟ أم رمز للطهر والنقاء؟ إذا كان كذلك فهذه مصيبة، فالرجال يرتدون إما بشتا أسود حالكا، وإما بدلة سوداء دهماء، فما دلالة ذلك بارك الله فيكم؟! ما بال اللون الأخضر اليانع الذي كان يلبس في حفلات «الجلوة»؟ وماذا عن بقية الألوان المبهجة والمفرحة التي غالبا ما نجدها في تراثنا الشرقي؟ من هذا المنبر الإلكتروني أطالب برفع ظلامة هذه الألوان دون إبطاء. وطبعا غني عن الذكر أن هذا الفستان الأبيض من نسل المناديل الورقية! فهو يستعمل مرة واحدة فقط ثم يرمى في الخزانة، ولاحقا في سلة المهملات -أجلكم الله - حينما يبدأ بتذكير العروس في أن وزنها آخذ في الازدياد. - الأمر الغريب الآخر هو الجولة السياحية التي تأخذها «الشبكة» بين المدعوات. فقد نشأت بدعة -وبئست البدعة - لدى كثير من العائلات، حيث تمرر الشبكة بين المدعوات إمعانا وإفاضة في الإغاظة. وإذا كنتم تظنون أن الشبكة هدية من الزوج لزوجته، فأنتم بريئون جدا، فهي في الواقع مخلب قط ل«تبطيط أكباد» المدعوات. أما «الدبلة» أو خاتم أو «محبس» الزواج، فصرعة مزعجة استوردناها من دول عربية أخرى أخذتها عن أصلها الأوروبي. وأبشركم، أنه وحتى الآن لم ينجح العلم في إثبات وجود «وريد الحب» الذي كان يظن أنه يمتد من البنصر الأيسر إلى القلب. ولا أعرف السر وراء إلحاح النساء تحديدا على أزواجهن كي يلبسوا الدبلة كما لو كانت من أركان الإيمان والتوحيد. هل هو مثل نوع من رفع لافتة «رجل محجوز، يرجى عدم الاقتراب»؟ ألا توجد طريقة أقل تضييقا وأكثر عقلانية من حلقة معدنية يضعها الطرفان في بنصريهما خاصة أن الذهب والفضة موصلان جيدان للكهرباء، لا قدر الله؟ بالمناسبة، في التقليد المسيحي، يلبس الرجل دبلة من ذهب، في حين أن دبلة المرأة من فضة. طبعا أفهم أن الرجال لدينا يخالفون هذا التقليد ويلبسون دبلة من فضة لحرمة الذهب، لكن لماذا لا تتمسك النسوة بأهداب التقليد كما هو ويكتفين بدبلة متواضعة ورخيصة من الفضة؟ أما ثالثة الأثافي فهي دخول «المعرس» على النساء وهن في كامل زينتهن. وإن أدري ما الغرض من ذلك، هل هي خطة إمبريالية رقيعة خبيثة للتنكيل بالمدعوات اللائي تضطر كثير منهن إلى البحث عن حجاباتهن وعباءاتهن للتلفع بضع دقائق وفي الغالب تفسد تسريحاتهن القيمة اللائي ضيعن أوقاتا ثمينة في السعي خلفها بسبب الهجوم «المعرسي»؟ أم أن وراء هذه العادة القبيحة رجل يشجع تعدد الزوجات، ويريد للمعرس أن يختار الثانية من بين المدعوات من الآن مثلا؟! وماذا يفعل المعرس حين يدخل سوى أن يقطع الكعكة المتعددة الأدوار مع العروس – «اتقوا الله! لدينا أزمة إسكان، والعروسان يقطعان الأدوار بالسكين بكل برود»، ويجلس في «الكوشة» ممتعضا، شاعرا بالغربة، متلقيا صفعات من أعين الحاضرات اللائي يحقدن عليه لإفساده تسريحاتهن، أو – ونتيجة لعقد النقص- يستكثرنه على العروس ولا يشكرن فضلها إذ دعتهن إلى الحفل. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، دعونا نتكلم عن «الكوشة»، وهي لمن لا يعرفها كرسيان يوضعان على المسرح أو المنصة وحولهما أكبر قدر من البهرجات، وكلما زادت البهرجة، زادت نسبة تبطيط أكباد المدعوات. هل أدركتم الآن أن تبطيط الأكباد وزرع الأحقاد سنة مؤكدة في أعراس الحوائيات؟ وأرجو من بنات جلدتي ألا يحقدن علي، وإن حقدن علي، فلا أقول إلا مقولة سيدنا علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - «ما ترك لي الحق من صديق». أما ما يفعل بالزهور سواء في الأعراس أو في أي مناسبة لها طبيعة عاطفية، فهي جريمة سبق لي أن كتبت عنها في مقالتي «لا تهدوني زهورا، فإنا أحبها!» أحيلكم إليها لتستبينوا مقدار الجرم البيئي والاجتماعي الذي نمارسه. طبعا في هذا المقام الجليل، لا يفوتنا أن نتكلم عن الأهمية المجتمعية لأعراس النساء، فهي عماد المجتمع، وركنه الركين، وحبله المتين! فصالات الأعراس هي فقاسات المستقبل، وحضانات حفظ النوع البشري، إذ إن الأمهات ينتخبن العرائس المستقبليات لأبنائهن من خلال حفلات الأعراس. وهذه طريقة مهينة للمرأة برأيي، فضلا على أنها لا تتلاءم والقرن الحادي والعشرين، إذ ترون استماتة الفتيات في التزين إلى حد التزيف ليحظين بالبركات. وطبعا النتيجة الباهرة تظهر بعد الزواج حين يكتشف الزوج أطنان الزيف التي الفتاة تتدثر بها. كما أن طريقة الاختيار هذه ممارسة غير ديمقراطية، وهجمة غشوم على حق الرجل في اختيار عروسه على ذوقه لا ذوق والدته، ويقول بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان إنه في حال عدم وجود تفويض صريح من الفتى لوالدته، فإنه لا يجوز أن يتم تزوج «عتريس وفؤادة» بهذه الطريقة التعسفية التأزيمية. «......» لا أكتب ما أكتب اليوم لأقول للناس لا تحتفلوا، فالاحتفال نوع من الإشهار والإشهار واجب، ووليمة العرس من الأمور المسنونة بل والواجبة لدى بعض المذاهب الفقهية قياسا على حديث النبي صلى الله عليه وسلم «أولم ولو بشاة». لكن لماذا يتم دعوة أعداد مهولة من الناس إلى حفل مهيب غرضه الفعلي في كثير من الأحيان – اعترفنا أم أنكرنا - التفاخر وسد أعين وحلوق الناس التي لا يسدها إلا التراب؟! لماذا لا يحتفل العروسان في حفل بسيط بين المقربين، وينفقان تكاليف العرس في تمديد شهر العسل مثلا أو في التخطيط لشراء مسكن في ظل الأزمة الإسكانية الخانقة؟ والأهم من هذا كله، لماذا لا يبدأ العروسان حياتهما بإنشاء مشروع وقفي أو التصدق ولو بمبلغ يسير يدر البركة على عشهما الذهبي، صحيح أن البركة شيء غير قابل للقياس، لكن كذلك هو إرضاء الناس. فلم اخترنا إرضاء العباد، واستغنينا عن بركة ربهم؟ إذا حسبنا متوسط تكلفة الأعراس، فسنجد أنها تكفي لتأمين جولة للعروسين حول أهم مدن العالم، بل وربما زاد من الميزانية شيء أمكن للعروسين أخذ جولة سياحية في كامل أرجاء المجموعة الشمسية، حين تتوفر رحلات كهذه. على فكرة، يقال - في عالم الخيال والعهدة على القائل - إن كوكب «بلوتو» «المطرود من المجموعة الشمسية» أجواؤه جميلة، وأسواقه كثيرة، وسكانه لطفاء!. حياة الياقوت http://www.hayatt.net