لقد آن الأوان أن نكشف الستائر عن أنفسنا، ونسمح للضوء أن يتسرب إلى نفوسنا المثقلة بإرهاصات الحياة، ونبدأ بتفصيل شخصياتنا، وإعادة تأثيثها على هوانا! في داخل كل منا غابة مزروعة، ممتلئة بالأشجار والعصافير المكبوتة، تحتاج منا – فقط – إلى أن نميط عنها الجدار ونسمح لآذاننا أن تسمع زقزقة عصافيرها، ولأعيننا رؤية جمالها. وهذا لن يتسنى ما لم نجلس بهدوء ونعيد ترتيب ذاكرتنا، فقطعا هناك الكثير من الآمال والأحلام التي مرت بنا، ولكننا سرعان ما أبعدناها عن طريقنا طلبا للقمة العيش! وعندما نستفيق متأخرين نجد أننا أضعناها - ولات حين مناص - لأن الأمنيات من الأمور التي تحلق بالفرد عن عالم الواقع المؤلم حيث يتردد بين أمرين: إما أن يرمي بالحجارة أو يرمي بالورد! إما أن ترفع في وجهه البنادق أو يمتدح ذكره بالمنابر! ويعجبني في هذا السياق تفسير ابن سيرين لأحدهم، عندما سأله: رأيت في المنام كأني أطير بين السماء والأرض؛ فقال: أراك تكثر الأماني.. ففسر الأماني بالتحليق. وقد وردت أمثلة من التاريخ حكت بعضا من أماني العظماء فاجتمع في الحجر بالمسجد الحرام عبدالله، ومصعب، وعروة – بنو الزبير – وابن عمر، فقال ابن عمر: تمنوا، فقال ابن الزبير: أتمنى الخلافة، وقال عروة: أتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين. فقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة. قال أبو الزناد: فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له. ولا يعني وجود الحلم أن صاحبه سيبقى أسيرا له، فقد تتفاقم هذه الأحلام وتكبر وتسعى بصاحبها إلى الرقي كما حدث مع الخليفة عمر بن عبدالعزيز، فحكى عن نفسه وقال: يا رجاء إن لي نفسا تواقة تاقت إلى فاطمة بنت عبدالملك فتزوجتها، وتاقت إلى الإمارة فوليتها، وتاقت إلى الخلافة فأدركتها، وقد تاقت إلى الجنة فأرجو أن أدركها إن شاء الله عز وجل. وفى عام 2007 جاء فيلم أجنبي بعنوان The Bucket List وهي تعني قائمة الأمنيات، يحكي قصة رجلين أصيبا بالسرطان، وقررا أن يحققا الأمنيات التي كانت حبيسة السنين، فسافرا معا إلى عدة دول لتنفيذها. أحدث هذا الفيلم هزة نفسية لدى الكثيرين، ولا أبالغ إن قلت إني منهم، ولعل نجاحه يكمن في أنه يدعو للبحث عن الذات، عندما أشار إلى فائدة أن يسعى الشخص لكتابة الأمنيات التي تمناها في حياته ويسعى إلى تطبيقها قبل حضور الأجل!. وقد تكون هذه الأمنيات بالغة الخطورة أو تافهة جدا، قد تكون وردت في مخيلتك أخيرا، أو كانت من رواسب الطفولة. وجدت – شخصيا - بعد أن تحققت بعض أمنياتي على بساطتها، وصفة للسعادة، تبث روح الحياة في النفس، يصدق عندها قول «هيلين كيلر»: «الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة.. أو لا شيء!». فوزية الخليوي