لا أريد أن أبكي، أريد أن أستثمر طاقة الدمع لأغسل بها زقاق المخيلة لتبدو جديدة ولامعة حين تتبختر فيها الكلمات بكعوبها العالية وتنوراتها القصيرة! لا أريد أن أبكي لأكتب شيئا جديدا تماما! شيئا عن بعض الأشياء، غير تلك الأشياء التي تكتبنا، وغير تلك الأشياء التي تشبهنا، وغير تلك الأشياء التي نحتاج إليها! أريد أن أكتب أشياء طيبة وحنونة، كقصة نؤمن بها، أو كمثال لا يزال متعلقا في شجرة الوقت كتفاحة نيوتن، أو كلمة ساخطة في حنجرة نابليون، أو بومة عارية في ذاكرة المعري، أو جملة فلسفية عميقة تشبه سخط أفلاطون على الشعراء، أو عبارة نابية تتلمظ بها الجدات! أريد أن أكتب من خارجي، كوني طرفا ثالثا دائما يوصل ما انقطع، ويصلح ما جاهره الخراب. أريد أن أكتب عن أشياء غير أصابع الزجاج التي نشابكها فتجرحنا، وغير الأصوات التي نحبها فتخدشنا. غير القراءات المغلوطة، والكتابات المقلوبة، غير التسويات غير المنطقية، والكذب الذي يضع أحمر خدود ليبدو صادقا! غير القلوب المزدحمة كالمطارات، وغير أشباه الأشياء، أشباه الفضيلة والحب والصدق وغيرها من الأشياء المتعددة التسميات، غير مقتنيات المتاحف الثمينة، والظلال المنكسرة على المرايا، غير السكاكين الوافرة والحظ العاثر، غير المرعوبين من الجمال، المتخفين خلف الأقنعة، غير الأقبية والأخبية، غير المصابيح التي يصيبها العمى والأرصفة التي تذرع دوار الشوارع والمسابيح المكتنزة بالوهم، غير المسافرين إلى ضواحي الزيف والمتحلقين حول نيران النميمة، وغير المتقوقعين في أبراج العتمة، والمنتشرين كالذباب والمنفوخين كالديكة واللزجين كالضفادع. لا أريد أن أكتب عن أشياء تشبه ألسنة تلعق ملح الجرح فتؤرقه، ولا عن فلاسفة «يشقلبون» الحقائق كي تصبح غامضة قليلا، ولا عن أحلام يسكنها الدود، ولا عن سحب تمطر قيحا، ولا عن حنين يوقظ القلب في مساءات النداءات الميتة، ولا عن فصام يشعل ياقات الريبة، ولا عن أحلام مستوية على حد الخنجر، ولا عن شهوات يعمدها المال كي تصبح أكثر نبلا، ولا عن ظلال تجرح الضوء وتخاتل الشموس.. ولا عن.. أريد أن أكتب عن أشياء تشبه ضحكة مستحيلة أو دمعا شهيا، تشبه المراعي التي تزهر في قلوب العذارى، أريد أن أكتب عن أشياء تشبه اللا شيء، لذا لن أكتب شيئا!. فاطمة الشيدي