شاركناه خلوته هذا الصباح مع أن أحدا لا يجرؤ على اقتحام عالمه الصباحي المنعزل، اقتحمنا دفأه وعالم مكتبته، وتركنا قهوته نهبا لبرد يناير القارس! كل ذلك كي نخرج بهذا الحوار الخفيف مع رجل تزعجه الأضواء.. ويخافها! تجره الفكرة الجميلة حتى لو كانت جملة على لسان رجل عامي، وهو الذي قرأ وبحث وكتب لم يكل ولم يمل. الدكتور عبدالله الغذامي، رجل الضجة الأخيرة، حديث الأعمدة الصحفية والملاحق الثقافية، الذي كانت طفولته رجولة، تحدث لنا كإنسان، بدا هذا الحوار كما لو أنك تتحدث إلى أخ أصغر أو إلى ابن مقرب. قبل يومين فقط، حين استطرد في آخر محاضرة له مع طلابه في الجامعة فعرض لذكر محمد البنكي ومحمود درويش بكى، واستدرت الدموع من وجه وصف بالقسوة أمام عشرات الطلاب. ما الذي ينتظر الغذامي في الحياة؟ إذا عرفنا أن الحياة هي الشاهد علينا أو لنا فإن كل ما أرجوه هو أن أعمل شيئا يشرفني حينما تفتح الصحف وتبدأ المحاسبة والمناقشة. ولا يمكن لحظتها للمرء أن يتشفع بجاه ولا بقوة شخصية. وهذا يشمل الوقفة الكبرى أمام الله، ومعه وقفات صغرى أمام المستقبل والتاريخ حينما ينظر الناس في أوراقك وليس في شخصك. ما أول شيء فعلته هذا الصباح؟ غير الأشياء الأساسية من استيقاظ وصلاة ونحوها، ما فعلته هو ما أفعله يوميا أنني أدخل إلى مكتبتي، وها أنت تقتحم عالمها وهو عالم تعودت ألا يدخل أحد علي فيه، لأن الناس لا يتيقظون إلا بعد أن ينطوي جزء من النهار، وهذا الجزء هو الذي أخلو به إلى نفسي والناس نيام. آخر مرة بكيت فيها؟ قبل يومين فقط في آخر محاضرة مع الطلاب في هذا الفصل، وجاء استطراد حضرت فيه صورة محمد البنكي ومحمود درويش، وجاءت معهما الدموع والطلاب شاهدون. هل من مشاريع كتب جديدة؟ بين يدي كتاب عن تحولات الخطاب الديني من المنبر إلى الشاشة. هل أصبح الغذامي ثريا بعد طباعة كل هذه الكتب؟ يقول الإمام الغزالي، رحمه الله: طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله. ومن طلب من العلم وجاهة أو مالا فسيتركه العلم وشأنه، وسيكون طالب مال لا طالب علم. ما آخر كتاب قرأته؟ بين يدي الآن رواية مخطوطة لا تزال مسودة. وهي رواية جميلة فرحت بها وأثني عليها، ومشورتي حولها أنها جيدة تجنبت أخطاء الروايات الأخرى وتعلمت من حركة الرواية السعودية. مع أنها أول محاولة لصاحبتها، ولست أعرف صاحبتها لأنها تعمدت إخفاء اسمها. ولكن العمل جيد فعلا. كتب هزتك..؟ كثيرة. أنا مغرم بأسلوب ابن القيم وتفكيره، وأسميه شيخي، كما أن لي تجارب مع ماركيز، ورسول حمزاتوف، وجلال الدين الرومي، وجوته. وهؤلاء لا أمل أبدا من العودة إليهم بين فينة وأخرى. هل تقرأ لكتاب محددين؟ لا، ليس عندي تعيين محدد، إنما تجرني وتحتويني الفكرة الجميلة حتى ولو كانت جملة في كتاب أو في مقالة صحفية أو على لسان رجل عامي في حكاية أو مثل أو تعليق دقيق ونادر. هذه هي التي تقلب المعادلات الذهنية مثلما يفعل جلال الدين الرومي أو محمود درويش. هل تمارس الرياضة؟ نعم، يوميا عندي تمرين على الدراجة، ومشوار مشي بعد المغرب. ما تقييمك للرياضة في الساحة السعودية؟ أستطيع أن أكلمك عن ميسي، وبرشلونة. وبعدهما لا تعليق. آخر سفر لك.. ما الهدف؟ وإلى أين؟ آخر سفر كان إلى دبي لتسجيل حلقتين مع برنامج حديث الخليج. ماذا تعني لك الأشياء التالية: o القهوة: أنا أشرب قهوتي الآن وأنت تكلمني. o التليفزيون: أشاهده في ساعات مختارة. o الجوال: صديق لا يفارقني، وإني حقيقة أدعو الله دائما لمخترعه لأنه عمل فينا معروفا لا يوصف. o الطفولة: طفولتي كانت جادة جدا ومنضبطة جدا، كأنها رجولة. o الليبرالية: موشومة! o الجريدة: لي معها ألفة مثل ألفة اليد مع العصا التي تكون عصا حينا، وتكون ثعبانا أحيانا أخرى. o ساهر: شكرا لهم عليه. ولقد لاحظت أن سرعة الشباب في الشوارع صارت أكثر انضباطا. o بناتك: هن قرة عيني. رسالة تبعثها إلى كل من: o عبدالفتاح أبو مدين: هذا هو الإشراقة التي لا تفقد بريقها أبدا. o فوزية أبو خالد: شاعرتنا ورمز ثقافي لم يكل ولم يمل. o عوض القرني: لا شيء عندي له. o تركي الحمد: مثل عوض القرني. o علي سعد الموسى: أنعم وأكرم بلسانه ومروءته، وكلاهما حادان. o جمال خاشقجي: أتمنى له التوفيق في الفضائية المقبلة. o رجاء الصانع: روائية أذهلت الجميع وأشعلت غيرتهم. o عبدالعزيز خوجة: رجل يفرض عليك محبته حتى وإن غضبت منه. o سلمان العودة: قلت مرة له إنك يا أبا معاذ نعمة من الله علينا وأقولها الآن. أموات أحياء في ذاكرتك؟ والدتي فاطمة الجهنية، ووالدي محمد أبو عبدالله، والمحمدون السليم والبنكي ودرويش وكثيرون آخرون. هل يوجد في السعودية.. o مفكرون؟ أحتاج هنا إلى تفكير كثير. o روائيون؟ هناك روايات لكاتبات ولكتاب. o شعراء؟ أوه طبعا. تراثنا ثري جدا ومبهج جدا. هل هناك أسماء؟ الأسماء كثيرة.. سعد الحميدين، محمد العلي، أحمد الصالح، علي الدميني، عبدالله الزيد، أحمد عايل فقيهي، ومجموعة من الشاعرات: فوزية أبو خالد، ولطيفة قاري، خديجة العمري، بديعة كشغري، أشجان هندي، وواحدة لم تشتهر كشاعرة ولكنها اشتهرت كاتبة وباحثة وأكاديمية ولكن شعرها جميل ومبدع جدا وهي خيرية السقاف. لماذا يحدث الغذامي بعد كل فترة ضجة؟ الحقيقة ليست ضجات.. لكن ثقافتنا استمرأت المجاملات. فإذا ترك أحد منا المجاملة ظنوا به المروق والخروج على أعراف العشيرة، وتحاشته العشيرة كلها كما صار لطرفة بن العبد. هل تحب الأضواء؟ أصدقك أنها تزعجني وتخيفني فعلا. كيف ترى الصحافة السعودية؟ يكفي أن أقول لك إنني لا أستطيع أن أشعر بالتوازن اليومي إلا إذا تصفحت الصحف فهي بالنسبة إلي شرط يومي. من صديقك المقرب؟ أستطيع أن أعطيك قائمة بمئة اسم. وكما قال ابن قتيبة مرة: إن أشعر الناس من أنت في شعره.. ما السؤال الذي كنت تنتظره ولم أسألك إياه؟ هناك شيء واحد هو أن أقول لك إن الوحيد الذي كلمني في صباح مبكر من الإعلاميين في حياتي كلها هو أنت. عادة يكلمون في الليل، وأنت كلمت في النهار المبكر. حوار: وليد الحارثي عن «الإسلام اليوم»