لم يدر بخلد البائع المتجول محمد بوعزيز، الذي أحرق نفسه في أحد شوارع تونس احتجاجا على الأوضاع في البلاد، الشهر الماضي أنه كان يحدد ملامح تاريخ تونس الجديد. لكن القدر لم يمهله ليرى بعينيه ما آلت إليه الأمور أمس. فقد غادر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي تونس، إلى الأبد فيما يبدو، إلى جهة لم يتم تحديدها، إلا أن وسائل إعلام نقلت أن ابن علي توجه إلى مالطا. وأعلن رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي، مساء أمس، توليه رئاسة البلاد بشكل مؤقت إلى حين إجراء انتخابات مبكرة، بدلا من الرئيس ابن علي في بيان قرأه عبر التليفزيون الرسمي محاطا برئيسي مجلس النواب فؤاد المبزع ومجلس المستشارين عبد الله القلال عن تسلمه الحكم «طبقا لأحكام الفصل 56 من الدستور»، الذي يتناول «تعذر قيام رئيس الجمهورية بمهامه بصفة وقتية». وقال الغنوشي في البيان «بداية من الآن أتولى ممارسة سلطات الرئيس.. وأدعو كافة أبناء تونس وبناتها من مختلف الحساسيات السياسية والفكرية ومن كافة الفئات إلى التحلي بالروح الوطنية والوحدة؛ لتمكين بلادنا التي تعز علينا جميعا من تخطي هذه المرحلة الصعبة واستعادة أمنها واستقرارها». وأضاف «أتعهد خلال فترة تحمل هذه المسؤولية باحترام الدستور والقيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تم الإعلان عنها بكل دقة وبالتشاور مع كافة الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني». وكانت تقارير سابقة قد أفادت بتشكيل مجلس قيادة من ستة أعضاء برئاسة رئيس الوزراء، يضم في عضويته وزير الدفاع، يتولى تسيير الأمور لحين إجراء انتخابات. وكان ابن علي قد أعلن في وقت سابق، قبل تطورات الأحداث الأخيرة، إقالة الحكومة وحل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة خلال ستة أشهر من الآن. وفي وقت سابق أطلقت عناصر من الشرطة النار في محيط وزارة الداخلية التونسية، وألقت القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين الذين تجمعوا منذ صباح الجمعة، في أضخم مسيرة أمام مقر وزارة الداخلية وسط الشارع الرئيسي للعاصمة «الحبيب بورقيبة». وذكرت مصادر محاولة اقتحام بعض الأشخاص مقر وزارة الداخلية والبنك المركزي، كما نقل شهود عيان لوكالات الأنباء سماع صوت الرصاص في كل من «حي الخضراء»، و«حمام الأنف». وذكرت مصادر طبية سقوط 13 قتيلا في تونس وضواحيها خلال مواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن منذ خطاب التهدئة الذي ألقاه الرئيس ابن علي مساء أمس الأول . وكرد فعل على الأحداث أعلن البيت الأبيض أمس أن للشعب التونسي «الحق في اختيار زعمائه»، وذلك في رد فعل على مغادرة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بلاده عقب أسابيع من التظاهرات الدامية المناهضة للنظام .