يبدأ نحو أربعة ملايين ناخب، غدا، الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان تتويجا لشهور من الاستعداد لإجراء التصويت الذي يتوقع أن يجري دون حوادث. ويستمر التصويت لمدة سبعة أيام، وستعلن النتائج الأولية بجوبا بعد ثلاثة أسابيع من الفرز، على أن تقوم المفوضية في الخرطوم بإعلان النتائج النهائية للاستفتاء وفقا لاتفاقية تقاسم السلطة، التي أنهت عقودا من الحرب الأهلية الدامية مع شمال السودان. ورغم أن بعض المناطق تغمرها مياه الفيضانات، إلا أن بعثة الأممالمتحدة في الجنوب قدمت مساعدات لتسهيل وصول موظفي الاستفتاء إلى مراكز الاقتراع. بلغ عدد الذين يحق لهم التصويت حسب مفوضية الاستفتاء 3,930,916 ناخبا، سجل نحو 3,753,815 منهم في ولايات جنوب السودان العشر و100,860 في ولاية الخرطوم و60,314 آخرين من جنوب السودان في ثماني دول بينها كندا وإثيوبيا وأمريكا وأستراليا وبريطانيا. وتزدحم عاصمة الجنوبجوبا، هذه الأيام، بآلاف المراقبين التابعين لمركز كارتر ومن دول مثل روسيا واليابان والصين، والجامعة العربية، ومن الاتحاد الإفريقي وصلوا لمراقبة إجراءات الاستفتاء. كما يتواجد أيضا السيناتور الأمريكي جون كيري لنفس المهمة، الذي أعرب عن أمله في ألا تشوب الاستفتاء أعمال عنف. وأبدى تقديره لتصريحات الرئيس السوداني عمر البشير الأخيرة خلال زيارته جوبا، حول احترام حكومة الخرطوم النتائج أيا كانت وأنها ستدعم تنمية الجنوب في حالة ما اختار الانفصال. وأشار كيري إلى أن واشنطن قد ترفع اسم السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب في حال تم الاستفتاء كما هو مقرر له. وبغض النظر عن نتيجة الاستفتاء، فقد يواجه شمال البلاد، الذي يضم العاصمة الخرطوم ومعظم الصناعات وقرابة 80 % من السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة، تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم لأعوام. وقد يحرم الاستفتاء الشمال في نهاية المطاف من الوصول إلى الجزء الأكبر من الموارد النفطية للبلاد، إذ يأتي نحو 75 % من إنتاج السودان الذي يبلغ 500 ألف برميل يوميا من النفط من آبار تقع في الجنوب. يرى المحللون أن العلاقة بين شمال وجنوب السودان ستقاس بطريقة إجراء الاستفتاء والقبول بنتائجه، إذا تم الاستفتاء بطريقة سلسة وسلمية وهادئة، وإذا تم قبول نتائجه من قبل كل الأطراف، فإن الشمال والجنوب سيتمكنان من تسوية القضايا العالقة، وسينجحان في إيجاد وسيلة لمواصلة الروابط التاريخية بين الشعبين. أما إذا جرى الاستفتاء في جو عدائي أو صاحب قيامه أي نوع من العنف أو التوتر، أو إذا تم التشكيك في نتائجه، فإن ذلك سيعني إيجاد علاقة متوترة أخرى بين الطرفين يمكن أن تؤدي إلى حدوث مواجهات بينهما أو حتى العودة إلى مربع الحرب مجددا. وفي المقابل يعاني جنوب السودان عنفا تفرضه نحو 60 قبيلة تتحدث العدد نفسه من اللغات، ويتوقع أن ترتفع وتيرة هذا العنف بعد الاستفتاء وانفصال الجنوب؛ لأن هناك مجموعات سكانية من قبائل أخرى لن تقبل بسطوة قبيلة الدينكا التي ينحدر منها غالبية قادة الحركة الشعبية. ويعتبر هؤلاء أن الاستفتاء لن يكون بمثابة العلاج الناجع لعلاقة متوترة لعشرات الأعوام بين شطري السودان الشمالي والجنوبي، بقدر ما قد يكون «رأس جبل الجليد» لمشكلات أخرى في الانتظار. ومن بين هذه التحديات الخلافات بشأن ترسيم حدود عام 1956، وكذلك الخلاف القائم حول تبعية منطقة أبيي، وعدم الاتفاق على قضايا ما بعد الانفصال مثل الجنسية، والعملة، والخدمة العامة، والقوات المشتركة، والديون الخارجية وتقاسم حقول النفط .