حول عدد من الباعة الجائلين الإشارات الضوئية إلى محال متنقلة لبيع شرائح الجوالات، بمبالغ زهيدة لا تتجاوز خمسة ريالات، كاسرين احتكار بعض المعروضات المعتادة، سواء المتعلقة بزينة السيارات أو الأخرى من ألعاب الأطفال. وباتت شرائح مجهولة المصدر تباع «على عينك يا تاجر»، بل في إمكان المشترى انتقاء الأرقام التي تروي فضوله، وتتفق مع مزاجه الشخصي، من خلال استعراض سريع للأرقام التي يسهل البائع عرضها من خلال كتابتها في ورقة يحملها معه في رحلته العابرة في الشوارع والطرقات. وتبدأ خطة العرض اليومية، مع الإشارة الحمراء، وفي لمح البصر يخرج بائع أو اثنان أو ثلاثة يتنافسون على عرض الرقم المميز، في وقت قياسي لا يتجاوز في أقصاه نحو 45 ثانية، لتتم الموافقة والشراء والدفع، ثم اللحاق بالإشارة الخضراء التي سرعان ما تفتح أمام السائقين. وفي أحيان متفرقة، يضطر البائع للركض وراء إحدى السيارات، أملا في إتمام صفقة خاصة جدا، ربما قوامها ثلاث أو أربع شرائح، ليتم الاتفاق سريعا على أن تنتظر السيارة بعد تخطيها الإشارة، ليتم الانتقاء بهدوء، فيما المقابل لا يتجاوز في أقصاه 20 ريالا. ماذا يكسبون؟ سؤال بدا منطقيا؛ الأمر الذي فضلنا أن نبحث عن الإجابة عنه في إحدى الزوايا من محال جنوب العاصمة، حسب تأكيدات أحد الباعة: «أشتريها من سوق الجوالات في البطحاء، بسعر الجملة الذي لا يتعدى الريالين أو الثلاثة ريالات حسب الكمية، لأكسب في الشريحة نحو ريالين أو ثلاثة، وفي أضعف الاحتمالات أبيع ما يصل إلى عشر شرائح دون عناء». لكن البائع الذي شدد على أن مدة استقبال الشرائح التي بحوزته لا تقل عن سنة كاملة، أشار إلى أن بحوزته أرقاما أخرى مميزة جدا، لكن لكل شيء سعره: «إذا أردت الشرائح ذات الأرقام المميزة، فإن المقابل لا يقل عن عشرة ريالات، ويصل إلى 15 ريالا». وبالاستفسار عن التاجر الأكبر رغبة في شراء كميات أكبر، أنهى البائع الأصغر الحوار، وانطلق لحال سبيله، أملا في لقمة عيش. في الجانب الآخر من سوق الجوالات في البطحاء، لم يكن من السهل الوصول إلى أكبر التجار لبيع الشرائح، التي لم تعد حكرا على الإشارات، بل بارزة أمام الملأ في الشوارع الجانبية والعامة. وبعد ساعتين من البحث والتقصي، زعموا: «ليست لدينا شرائح مجهولة، كلها بأسماء معتمدة، وليس هناك ما يشوبها». وقالوا: «جميع الشرائح مستخرجة من مكاتب معتمدة، ولا يمكن التلاعب بها». وفندوا السعر البخس: «ليس هكذا، بل ربما وراء الأمر خلل، لكن عموما الشرائح التي يروجونها ربما كانت تالفة». ولأنه من الصعب تصديق ما يقولون وما يزعمون وما يفندون، استمررنا في التقصي، حتى باتت العملية أشبه بالمستحيلة، في ظل رمي الكرة في ملعب الآخر: «أقول لك المحل التاني يبيع الشرائح»، فإذا ذهبنا للمحل الموصوف، رمى الكرة في الملعب الأول، وإذا عدنا للواصف الأول، تنكر لما قال أو اعتذر عما قال، أو زعم أنه يقصد شرائح عامة، وليست شرائح مجهولة المصدر، لتنتهي العملية بجدال لا ينتهي. والخلاصة أن الرأس الأكبر في الترويج في تلك العملية بات الوصول إليه «مهمة مستحيلة». والحقيقة كما قالها بائع يمني، مشترطا عدم ذكر اسمه ولا تصويره، ولا الإشارة إلى موقعه: «يستحيل أن يتعامل معك أحد، لأنهم لم يسبق لهم التعامل معك مسبقا، ولا يبيعون إلا لمن يثقون فيهم؛ لذا يتخوفون منك، فلا داع لإرهاق نفسك». سألته عما إذا كان الأمر يشوبه الكثير من السرية والغموض، فأجاب: «بالطبع نعم، فهل من المعقول أن تجد شريحة بخمسة ريالات وفيها أحيانا نفس القيمة، لكن لن تجد حقيقة الشرائح المجهولة التي يجهلها معظمنا؛ لأننا نبيع فقط، ولا يهمنا سوى الربح» .