لم يعد أحد يصدّق ما ترسله «الرياض» من تباشير الشتاء في مستهلّ ما يسمى «المربعانية»، التي بدأت في وقت سابق من هذا الشهر حسب «التقويم الشعبي»؛ فهذه المدينة التي تعِد سكانها بالبرد القارص حين يستفيقون على نسائمها الباردة في مطلع الفجر، لا تلبث أن تنكص على وعودها تدريجيا مع ارتفاع شمسها قيدَ رمحٍ في كبد السماء؛ فالرياض كما يسميها عبدالرحمن الشهري، أحد سكانها، «مدينة غشاشة»؛ لذلك لم يعد يثق بأجوائها المتقلبة: «كنت خلال الأيام الماضية أصحو في الصباح الباكر على برد فظيع، فأتوقع أن الشتاء بدأ بالفعل، فأحتاط وأرتدي ثيابا صوفية ثقيلة لن تصبر طويلا حتى تخنقني بسعيرها حين يأزف الضحى؛ لذلك توقفت عن ارتداء الملابس الشتوية صابرا على برد ساعة الصبح الأولى ريثما أصل إلى عملي». وحتى حين تسحب الشمس آخر خيوطها الدافئة لتغرب إلى مستقر آخر، لا يختلف أول الليل كثيرا عن بقية النهار، لولا بعض نسائم منعشة توزعها المدينة على أهلها كي يغفروا لها تقلّبها المستمر وتعاقبَ الفصول الأربعة على يومها الواحد. لكن خالد الدوسري، وهو من سكان الرياض أيضا، يتحسر كثيرا على المبلغ الذي أنفقه على الملابس الشتوية قبل أيام: «مع أني أعرف تماما أن شتاء الرياض قصير جدا، وأن ساعات البرد محصورة بين منتصف الليل وساعات الصباح الأولى، تهوّرتُ واشتريت ملابس شتوية جديدة كما فعلتُ في العام السابق، ويبدو أني لن أنعم بها إلا في طلعات البر!». وربما يسامح أهل الرياض مدينتهم على تقلباتها المفاجئة حين يرونها تتعمد إحراج النشرات الجوية لتسخر من تنبؤاتها التي لا تصدق إلا فيما ندر.